الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الأحد 22 أغسطس 2004 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
العصفور المنفرد
سَهِدتُ وصِرتُ كعصفور منفرد على السطح ( مز 102: 7 )
إن كان هناك طائرٌ يشتهر بالمودة والألفة فهو العصفور، فعادة لا نجد عصفوراً إلا وأليفه معه. وما أقسى ما يعانيه العصفور عندما ـ لسبب أو لآخر ـ يُحرَم من أليفه.

وإن كان هذا نادراً ما يحدث في مملكة العصافير، غير أنه حدث مع أعجب إنسان وُجد على الأرض، إذ عاش فريداً غريباً في عالم لم يعرفه ولم يفهمه أو يقدّره، فنراه يُشبِّه نفسه بالعصفور المنفرد "سهدت وصرت كعصفور منفرد على السطح" ( مز 102: 7 )، لقد كان في كل حياته "كالحمامة البكماء بين الغرباء" (عنوان مزمور56).

إن أقرب الأقربين له .. تلاميذه الذين قال عنهم مرة: "أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي" ( لو 22: 28 )، نجدهم في بستان جثسيماني، وهو يبدأ رحلة آلامه الرهيبة، يبادرون جميعاً بالهرب وتخلي الجميع عنه! ( مت 26: 56 ).

بل إنه وهو فوق الصليب .. في ثلاث ساعات الظلمة الرهيبة لم يُترك فقط وحيداً من أحبائه وتلاميذه، بل إنه تُرك من الله وحجب الله وجهه عنه، حتى أنه، تبارك اسمه، صرخ قائلاً: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟!". فلم يُعانِ عصفورٌ ما عاناه هو له المجد، بل لم يُعانِ كائنٌ مَنْ كان ما عاناه هو في وحدته وانفراده.

وإذا تساءلنا مَنْ هو الذي عانى كل هذا؟ إنه رجل رفقة الله الذي قال عن نفسه "كنت كل يوم لذته، فرحة دائماً قدامه" ( أم 8: 30 ) والذي قال عنه يوحنا: "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب" ( يو 1: 18 ).

لقد صار في حالٍ لم يألفه من قبل، وإن تساءلنا أيضاً .. لِمَ عانى كل هذا؟ يُجيبنا يوحنا قائلاً: "إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم إلى المُنتهى" ( يو 13: 1 ). لقد عانى الوحدة والانفراد كي ما يضمنا إليه، ولكي يكون هو بكراً بين إخوة كثيرين، كان هو حبة الحنطة (الوحيدة الفريدة)، التي وقعت في الأرض وماتت، ومن ثم أتت بالثمر الكثير ( يو 12: 24 ).

ونتيجة انفراده هذا، سنسمعه قريباً، وهو آخذٌ مَنْ فداهم إلى بيت الآب، قائلاً: "ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الله" ( عب 2: 13 ).

عاطف إبراهيم
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net