الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الأربعاء 23 فبراير 2005 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
غني كان غبيًا
إنسان غني أخصبت كورته، ففكّر في نفسه قائلاً... يا نفسُ لكِ خيرات كثيرة، موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكُلي واشربي وافرحي ( لو 12: 16 - 19)
قال الرب في المَثَل إن إنسانًا غنيًا، زاده الله غنى إذ أخصبت كورته، وكان يجب عليه أن يقدم الشكر لله، ولكنه كان فعلاً ـ كما نعته الله ـ «غبيًا»، فأخذ يفكر ماذا يفعل أمام هذا الخير الجزيل والوفير. كان كل همه الجمع والتكويم، ولم يفكر ولو لحظة واحدة في أبديته وآخرته، بل ولم يفكر إلى لحظة واحدة مَنْ هو مصدر هذا الخير الوفير. آه على الإنسان حينما يعطي ظهره للأمور الأبدية وينكَّب على الأمور الزمنية ساعيًا وراء سراب زائل وكاذب. وفي النهاية وصل إلى نتيجة، واتخذ قرارًا سريعًا، أملاه على نفسه وقال: «أهدم مخازني وأبني أعظم، وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي» (ع18). لنلاحظ في كلامه «مخازني .. خيراتي .. أثماري»، واضح أنه لم ينسب شيئًا لله، مصدر كل شيء، بل لنفسه ومجهوده ونشاطه الدؤوب. وهذا هو طريق قلب الإنسان الطبيعي في فساده وابتعاده عن الله.

وواضح أن "الغني" وجد نوعًا من المُتعة والفخر في الحديث مع نفسه، فاسترسل في الحديث معها، مُخاطبًا إياها بأرق الكلمات التي كان يريد بها أن يبعث فيها الأمان من جهة المستقبل. وهذا عين ما تبحث عنه النفوس وتجري وراءه في كل مكان وزمان.

وقال أخيرًا لنفسه: «يا نفس لكِ خيرات كثيرة، موضوعة لسنين كثيرة» (ع19). وهنا نرى الغباء بعينه، وهنا الحسابات المغلوطة والاستنتاجات التي يميزها الجهل. فكون الخيرات كثيرة، هذا أمر مقبول، ولو أنه لا يمنع كوارث الزمان من لصوص وخلافه، ولكن الأمر غير الصحيح هو «السنين الكثيرة». من أين سيأتي بها لنفسه؟ ومَنْ يضمنها له؟ وهو ما كان يدري أنه قد غابت عليه الشمس ولن تشرق، وأن يومه ولىّ ولن يعود، وذهب عنه النهار وليله أتى ولن ينتهي، وظلامه صار إلى الأبد. آه ... ليته فطِن وتعقَّل! ليته أدرك وتيقّن! ليته حسب وتبصّر! ليته تراجع وتعلّم! لكان أصبح أسعد مَنْ في الأرض وأهنأ مَنْ في السماء، لكنه كان "غبيًا". وكم من أُناس ساروا في الدرب ذاته وعلى ذات النهج، وقد أخذتهم الدنيا بلهوها وطوّحت بهم بعيدًا حتى أضحوا بلا رجاء. فلنتعلم الدرس ونتحذَّر، ونضع لله مكانًا في حساباتنا ليكون لنا فيه ومعه نصيب.

خالد فيلبس
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net