فما أحياه الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي ( غل 2: 20 )
أحيانًا نسمع البعض يتكلم عن حياة الإيمان بكيفية لا تتفق مع الفطنة والبصيرة الروحية، وذلك لأنهم كثيرًا ما يقصرون حياة الإيمان على الثقة في الله من جهة القوت والكسوة، ويشيرون إلى نفر من الناس، ليست لهم موارد بشرية ولا مصادر زمنية ولا يملكون إيرادًا ثابتًا، ولا أموالاً من أي نوع كان، ويحصرون الحياة بالإيمان في هذا النفر فقط، وكأنهم بذلك يضيّقون دائرة هذه الحياة المجيدة العجيبة التي هي أسمى وأرقى بكثير من أن تنحصر في الماديات الزمنية وسد الأعواز الجسدية.
ونحن لا نوافق على مثل هذه النظرة التي تحط من قدر الحياة بالإيمان، لأنها تضيّق دائرة هذه الحياة وتقلل من اتساع مجالها، بكيفية لا تطيقها أبدًا كل نفس أدركت أسرار حياة الإيمان الثمينة المقدسة. وهل في الإمكان أن نسلّم بأن المسيحي الذي أعطاه الله إيرادًا ثابتًا من أي نوع، يُحرم من امتياز الحياة بالإيمان؟ أو نوافق على تقييد هذه الحياة والحط من قدرها، لدرجة تجعلها قاصرة على الاتكال على الله لسد حاجاتنا الجسدية؟ وهل هي لا تسمو عن مستوى القوت والكسوة؟ وهل المقصود من حياة الإيمان أن غاية ما نفتكر في الله أنه لا يسمح لنا أن نجوع أو نتعرى؟
حاشا لله! فحياة الإيمان لا يجوز أن تُكيَّف بهذه الكيفية، ولا نقبل أنها تُمتهن بهذه الصورة، وأن يُعتدى على كرامة المدعوين لأن يحيوا حياة الإيمان بهذه الطريقة.
فنرجو أن يفهم القارئ المسيحي جيدًا أن من أسعد وأحلى امتيازاته أن يحيا حياة الإيمان بكل معنى الكلمة، بغض النظر عن شخصه وعن ظروفه ومركزه، وله على حسب النعمة المُعطاة له أن يشترك مع الرسول المغبوط في حاسياته، ويقول معه: «فما أحياه الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي». ويجب أن يحترس حتى لا يسلبه أحد هذا الامتياز السامي المقدس الذي هو من حق كل فرد من أهل الإيمان. فالله يُسرّ بالإيمان النشيط الجريء. وإن قلب الرب يسوع لا ينتعش ويفرح لشيء في هذه الحياة، أكثر من ابتهاجه بالإيمان الحلو النشيط، بالإيمان الذي يفهم قلب الله ويستقي منه بسِعَة.