الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الخميس 5 إبريل 2007 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
ابنة يفتاح .. فتاة عظيمة
فقالت له: يا أبي، هل فتحت فاك إلى الرب؟ فافعل بي كما خرج من فيك، بما أن الرب قد انتقم لك من أعدائك بني عمون ( قض 11: 36 )
خرج يفتاح إلى المعركة وانتصر. وعاد القائد الظافر إلى بيته مُبتهجًا، وسمعت الابنة بخبر نُصرة أبيها، فخرجت بفرحة تلقائية تستقبل أباها بالرقص والأغاني. كانت هي محبة عمره، وتصرفها دلّ على أنها أيضًا كانت تحب أباها بعُمق. ولما رآها أبوها خارجة لتستقبله بالرقص، انزعج انزعاجًا عظيمًا. وقال لابنته: «قد أحزنتيني حُزنًا، وصرت بين مُكدريَّ، لأني فتحت فمي إلى الرب ولا يمكنني الرجوع». وأمام انكسار قلب الأب البطل، برزت عظمة هذه البنت ونُبلها، بل وظهرت بطولتها الحقيقية، إذ قالت لأبيها: «يا أبي، هل فتحت فاك إلى الرب، فافعل بي كما خرج من فيك، بما أن الرب قد انتقم لك من أعدائك بني عمون».

ما هذا النُبل الذي تحلَّت به هذه الفتاة؟ ما هذا التصرف الرائع لابنة يفتاح الصغيرة؟ إن كل الذي طلبته من أبيها هو مُهلة شهرين من الزمان، فيهما بكت مع صاحباتها، ليس لأنها ستموت، بل لأنها ستموت بدون نسل، الأمر الذي كان يمثل المأساة الأكبر لأية امرأة يهودية. وبعد الشهرين رجعت إلى أبيها ففعل بها نَذره الذي نَذر.

إنها بحق فتاة عظيمة. ففي علاقاتها الخاصة نجدها فتاة تجّل أباها وتعتز به، وفي علاقاتها العامة كانت تحب شعبها وتهفو لنُصرته على أعدائه، وفي علاقتها مع الله كانت توقر إلهها، وتحترم اسمه، وتعرف أن النُطق باسمه ليس مجالاً للعَبَث واللهو.

وأما في صفاتها الشخصية، فقد كانت فتاة مؤتمَنة، وَثَق بها أبوها عندما طلبت الإذن لمدة شهرين، إذ كان واثقًا أنها ستعود في الموعد المُحدد تمامًا. كما كانت فتاة ذات عزم وحزم، تسير إلى الموت بخُطى ثابتة. وإن كان الوحي حدَّثنا مرة عن رجل شيخ تسلق جبلاً مع أخيه وابنه، سائرًا معهما بثبات، رغم عِلمه أنه يرتقي الجبل، ولن ينزل منه، بل سيُدفن فوقه، ونجده يخلع ثيابه ليلبسها ابنه، ثم يموت الأب فورًا (عد20)، لكن الإعجاب يزداد ونحن نرى فتاة صغيرة تمضي مع صاحباتها إلى جبل آخر تبكي عذراويتها، ثم ترجع إلى أبيها في موعدها. ترجع في شجاعة وتصميم ليتمم فيها نذره، فلا تموت ميتة طبيعية مثل هرون الشيخ الذي أشرنا إليه الآن، بل لتُقدَّم مُحرقة، ومع ذلك لم يتسرَّب إليها الضعف الأنثوي، فيسوقها إلى التردد أو إلى الهروب، بل في هدوء جليل، تُقابل مصيرها بصبر نبيل!

يوسف رياض
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net