الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الأربعاء 20 فبراير 2008 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
صلاة من الجحيم
فنادى وقال: يا أبي إبراهيم، ارحمني، وأرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماءٍ ويُبرِّد لساني، لأني مُعذب في هذا اللهيب ( لو 16: 24 )
كم تعدو الخطوات مُسرعة في الحياة إلى الموت إلى القبر إلى الهاوية حيث اللهيب والعذاب! فلنتوقف قليلاً ونحن نتأمل الهبوط المُرعب لهذا الذي كان غنيًا يومًا ما. لقد سقط من الثراء إلى الفقر، من الكرامة إلى الخزي، من الراحة إلى العذاب، من التمتع بالميزات الأرضية إلى سلاسل الحسرة والألم الثقيلة اللانهائية.

وفي وسط مأساته رفع عينيه ليرى ماذا؟ ليرى إبراهيم من بعيد. نعم، بعيدًا جدًا عن مكان عذابه، ومُتباعدًا جدًا عن دائرة ويله الأبدي، ولعازر في حضنه يتعزى عن كل آلامه واحتياجاته الأرضية. لذلك صرخ إلى إبراهيم قائلاً: «أرسل لعازر ليبُل طرف إصبعه بماء ويُبرِّد لساني». يا له من طلب بسيط، لكنه كان يعلم أن وقت تميزه وفرصته السانحة قد ولى ـ وليس له أن يتوقع المزيد من النعمة أو الشفقة. وهو يشعر أن الرحمة لن تعود تسمع للتوسلات الكثيرة لذلك فصلاته منظومة ليس ببارقة أمل، لكن كمَن هو في أشد الحاجة ـ فهي محكومة بظروفه، فهو لا يقول ”أرسل جبرائيل“ بل «أرسل لعازر». ولا يقول ”بجرة ماء ليروي ظمأي“ بل «ليبلّ طرف أصبعه بماءٍ ويُبرِّد لساني» فقط. ففي الجحيم هناك العطش وليس ماء. هناك لا يتدفق شلال ماء الحياة الغزير، ولا يمتلئ كأس الإيمان من فيض مُعطي الحياة بعد. كلا، لا يمكن أن توجد هناك قطرة واحدة .. ليس من تخفيف ولا تلطيف ولا راحة ولا شعاعة واحدة من الأمل يمكن أن تضيء هناك في هذه المنطقة المُقفرة من الظلمة الأبدية. لا شيء يستطيع أن يوقف رد إبراهيم الذي لا رحمة فيه على صلاته «يا ابني، اذكر..». آه من عذاب العودة بالذاكرة إلى الرحمة المُساء استخدامها، إلى العزم المُتراجع، إلى النية غير المُتممة، إلى الميزات المُهملة، بل إلى الفرص الضائعة، ستكون الذاكرة هي سيدة المشهد لتعمل بإتقان رهيب لتستعيد كل رحمة .. كل ميزة .. كل نداء .. كل تحذير .. كل دعوة. ويا للأسف! لقد كانت الأذن صماء بإرادتها عن كل هذا. آه من تلك الذكرى! «يا ابني، اذكر..»، هكذا قال إبراهيم.

عزيزي: أنت بلا عذر لأنك الآن في وضع مميز، وماء الحياة مُقدم لك الآن. فهل أنت عطشان؟ إذًا اسمع «مَن يُرِد فليأخذ ماء حياة مجانًا» ( رؤ 22: 17 ).

ج.و. س
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net