بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كَمَل، فلكي يتم الكتاب قال: أنا عطشان... فلما أخذ يسوع الخل قال: قد أُكمل ... ( يو 19: 28 ، 30)
لو حاول أحد أن يُخرج المسيح من الكتاب المقدس، لَمَا يبقى فيه بعد ذلك إلا طقوس عقيمة لا معنى لها. وأما النبوات العديدة التي تحدثنا عن أمل البشرية ومُشتهى كل الأمم، فكانت إذ ذاك ستشير إلى لا شيء، أو بالحري إلى شخص ليس له وجود. أما الآن فهي تشير إليه وتتحدث عنه. فلقد أتى المسيح إلى العالم، ومضى إلى الصليب، فأصبحت كل الرموز والطقوس والنبوات لها معناها المفهوم والواضح. يقول الكتاب المقدس: «شهادة يسوع هي روح النبوة» ( رؤ 19: 10 )، بمعنى أن شهادة المسيح بالنسبة للنبوة هي روحها، ولولاها لأصبحت النبوة جسدًا بلا روح. ولهذا فإن مَن يقرأ أسفار التوراة دون أن يكون نصب عينيه أنها كلها تتحدث عن المسيح، فإنه لن يفهم منها شيئًا على الإطلاق، وتصبح مجرد روايات وقصص، حتى لو كانت أحسن القصص.
حقًا ما أكثر النبوات التي قيلت عن المسيح، بدءًا من تلك التي قيلت في الجنة ( تك 3: 15 )، مرورًا بالتي قيلت قبل الناموس ( تك 22: 18 ( أع 8: 34 )، ثم تلك التي قيلت في الأرض أو في السبي، بجوار نهر الأردن أو نهر خابور. إن موسى وإيليا وهما فوق الجبل المقدس مع المسيح كأنهما يقولان: ”أخيرًا فهمنا ليس فقط معنى الرموز الكثيرة في الناموس، بل أيضًا إلى مَنْ كانت تُشير أقوال النبوات العديدة، عرفنا عمّن تكلَّم الأنبياء: فحقًا ليس عن أنفسهم جميعًا تكلموا، بل عن واحد آخر“ (أع8: 34).
ثم لاحظ توقيت نُطق المسيح بتلك العبارة «قد أُكمل» كما أوضحه لنا البشير يوحنا، إذ يقول: «بعد هذا رأى يسوع أن كل شيءٍ قد كَمَل، فلكي يتم الكتاب قال: أنا عطشان». لقد مرَّ المسيح بذهنه على مئات النبوات ليرى هل بقى شيء منها غير مُتمم؟ فرأى نبوة واحدة صغيرة ينبغي أن تتم قبل أن يُسلِم الروح، فلا يمكن أن تسقط كلمة واحدة، حتى لو بَدَت في نظر الناس غير مهمة. ولما شرب الخل قال «قد أُكمل» ( مز 69: 21 ( أع 3: 18 ). فالرب ـ له المجد ـ لم ينطق بكلمة «قد أُكمل» إلا بعد أن تمم كل النبوات عن آلامه. وهكذا لم تسقط كلمة واحدة من جميع ما تكلَّم به الأنبياء بالروح القدس، بل تمت النبوات جميعها بكل دقة (أع3: 18؛ 4: 28؛ 13: 27، 29).