ثم قال ليسوع: اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك. فقال له يسوع: الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس ( لو 23: 42 ، 43)
يا لها من شهادة لامعة لنعمة الله. حقًا ليس من حدود لدعوة المخلِّص «مَن يُقبل إليَّ لا أُخرجه خارجًا»، ومهما تأخر مجيء الخاطئ، أو مهما ضاقت الفرصة التي فيها يجيء، فليأتِ وليُقبل إلى الفادي وليثق أنه لن يُطرح خارجًا. وإن كان الخلاص للخاطئ والأثيم يأتي نتيجة لبرنامج تهذيبي وأدبي، فماذا يُعمل لمثل هذا اللص؟ إننا إن لم نستطع أن نقدم لخاطئ على حافة الموت خلاصًا مُفرحًا ومُبهجًا وكاملاً، فنحن إذًا لا نعرف على الإطلاق خلاص الله الحقيقي. وما أكمل هذا الخلاص الذي حصل عليه اللص التائب! والرسول بولس يلخص المسيحية في أمرين هما: التوبة لله والإيمان بربنا يسوع المسيح. وهذان الأمران نجدهما في كلمات اللص التائب. لقد وضحت توبته فيما قاله لزميله: «أَوَ لاَ أنت تخاف الله، إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه؟». إنه في ماضيه نسيَ الله ولكن الآن يجد الله قريبًا منه، وفي نور الله رأى آثامه وذنوبه واعترف بها ليس سرًا بل جهرًا، وبذلك انتزع نفسه من ذلك الماضي، وأفرز نفسه من تلك الآثام، كما انفصل عن رفيقه الذي شاركه الضلال، لمّا لم يُرِد ذلك الرفيق أن يصحَبه في طريق التوبة. كما لم تكن كلماته للرب يسوع أقل بيانًا وإعلانًا عن إيمانه به. إنها كلمات جمعت بين البساطة والتواضع. إن كل ما جرؤ على التطلع إليه هو أنه عندما يجيء الرب يسوع في ملكوته يتذكره. كلمات تعترف بمجد المسيح، كما تعبِّر عن الثقة فيه. في ذلك الوقت الذي ظن فيه رؤساء الدين اليهود أنهم قضوا قضاءًا تامًا على دعوة يسوع المسيح، وحتى تلاميذه تركوه، نجد هذا اللص المسكين يعترف به ربًا وملكًا.
وهنا نقتبس كلمات كلفن عندما قال: ”ما أجلى هذه البصيرة التي استطاعت أن ترى الحياة في الموت، والجلال في الأطلال، والمجد في العار، والنصر في الهزيمة والأسر. وحقًا أتساءل عما إذا كان منذ بدء العالم مثل هذا الإيمان الوهاج“.
ولم يكن لوثر أقل بيانًا عندما قال: ”كانت كلمات اللص للمسيح عزاءً مُشجعًا كخدمة الملاك له في البستان، والله لم يَدع ابنه محرومًا من الأتباع، وحيث تداعى إيمان بطرس، تشامخ إيمان هذا اللص التائب“.