الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق السبت 20 أكتوبر 2012 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
حياة القداسة والطهارة
كَيْفَ أَصْنَعُ هَذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إلَى اللهِ؟ ( تك 39: 9 )
لقد انتصر يوسف في تجربة تُعتبر في الواقع أحرج التجارب وأقساها. تُرى ما الذي كوَّن شخصيته القوية النبيلة المُتعقلة؟ تُرى ما الذي جعله شريفًا رزينًا وفيًا، في موقف يسلب الطُهر والشرف، ويقضي على الأمانة والرزانة، ويُقوّض دعائم الإخلاص والوفاء، وقد كان إنسانًا مثلنا له غرائزنا وميولنا؟

بالتأكيد إن ما جعله يتصف بهذه الصفات هو اتصاله الحقيقي بالله. والدليل على ذلك أنه قال: «كيف أصنع هذا الشر العظيم وأُخطئ إلى الله؟». فالله الذي كان بعيدًا كل البُعد عن ذهن امرأة فوطيفار، كان هو الكل في الكل بالنسبة إلى يوسف، إذ كان يعيش بالروح في حضرته، ويحس في كل حين بهيبته التي تطغي على كل هيبة.

ولكن كيف استطاع يوسف أن يكون متصلاً بالله اتصالاً وثيقًا في هذا الموقف، الذي يسلب الإنسان صوابه ويدفعه إلى ارتكاب الخطية دون وعي منه؟ الجواب: لأنه كان قد ألف العيش مع الله والطاعة له في كل الظروف والأحوال. فقد كان يعيش معه ويُطيعه عندما كان ابنًا مُدلّلاً في بيت أبيه، كما كان يعيش معه ويُطيعه عندما كان عبدًا في بيت وثني من الوثنيين. ومَن يألف العيش مع الله، ويُطيعه في كل الظروف والأحوال، يستطيع أن يكون مُتصلاً به ومُطيعًا له في أقسى التجارب، لأن إخضاع القلب لله والشركة العميقة معه، قبل مواجهة التجربة، يجعل الانتصار عليها سهلاً ميسورًا.

فيوسف، لأنه كان يعيش في حضرة الله، وجد السعادة، وكل السعادة، في التوافق معه. ولذلك رفض إتيان الخطية التي يتهافت عليها الكثيرون، ليس فقط لأنها وصمة عار في جبين فاعلها، وليس فقط لأنها إساءة إلى شرف امرأة طائشة، وليس فقط لأنها خيانة لرجلها الغائب عنها، وليس فقط خوفًا من عقابها أو عواقبها، كما يفعل معظم الذين يمتنعون عن الخطية. بل لسبب أسمى من كل هذه الأسباب، ألا وهو أنها تتعارض كل التعارض مع قداسة الله؟ فيوسف لم يكن يعمل حسابًا لنفسه أو لغيره، بقدر ما كان يعمل حسابًا لله، لأنه تعالى بالنسبة إلى يوسف (كما بالنسبة إلى غيره من المؤمنين الحقيقيين) هو أعظم من كل عظيم، وأغلى من كل غالٍ، وأعز من كل عزيز، وأحبّ إلى القلب من كل حبيب. وهذا هو الأساس الحقيقي الراسخ لحياة القداسة والطهارة.

خلّني دومًا أراكَ مالكًا كل زمامي
هانئًا في مُلتقاكَ دائمًا أنت أمامي

عوض سمعان
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net