الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق السبت 14 ديسمبر 2013 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
بكاءٌ أم انتصار؟
جَاهَدَ مَعَ الْمَلاَكِ وَغَلَبَ. بَكَى وَاسْتَرْحَمَهُ. وَجَدَهُ فِي بَيْتِ إِيلَ وَهُنَاكَ تَكَلَّمَ مَعَنَا ( هوشع 12: 4 )
أَ هو بقاءٌ للأقوى أم انتصارٌ للضعيف؟ أَ هِىَ غَلَبةٌ بموجِبِ السواعِدِ المفتولةِ أم بإعلانِ الإفلاسِ والبكاءِ الكثيف؟ أَ يُصِرُّ مَن يظنُ البطولةَ على موقِفِهِ، أم ينكسِرُ حُقُ فخذِهِ ويبكي؟ فالسعيُّ ليس للخفيف.

بَلَغ المُحتالُ مقصِدَه وكأنَه وَجَدَ في امكانياتهِ ما يسبق امكانياتِ السماء، وكأنَّ ذراعَهُ قد أنجزت له بُغيَتَهُ فما حاجتُه بعد إلى عونِ العلاء! فخرج من بئرِ سبعٍ أي بئر الشِبَع وباتَ على الأرض، والحجرُ تحتَ رأسِهِ يُنذِرُ بقسوةِ الطريق والعناء، ولكنَّ السماءَ تفضَّلت، فأدلت بِحُلْمٍ وبحِلمٍ، فإذا سُلَّمٌ منصوبةٌ على الأرضِ ورأسُها يمَسُّ السماء؛ وألَفَّتْهُ بالوعودِ، مُتَضَمَّنةَ المعيةِ والحفظِ وردِّهِ إلى أرضِ الآباء. ولكنَّ مَن ظنَّ في نفسِهِ بَطلاً، كفْوَ الطريقِ، استيقظ ثم مضى في طريقِهِ، وكأنَّ كُلَّ هذا ضاع هدَرًا وهباء.

قارئي، ها مناظِرُ الربِّ وإعلاناتُه، تنسابُ وتتدفَّقُ، فَتَعُمُ لا أرجاءَ بيتِ إيلِ فقط بل وبيت الفخاري أيضًا، أقصِدُ أن السماءَ لا تُعدَم وسيلةٌ أن تتكلمَ مِن خلالِ الفُرصِ الروحيةِ أو عبْرَ الوقائعِ والمواقفِ الحياتيةِ، جلَّ شأنُها أو صَغُرَ. فإن الأزمةَ لا تتولدُ عن صمتِ السماء، فحديثُ السماءِ كذا صمتُها، كلاهما يتكلمان. لكنَّ الارتحالَ يملأُ الحياةَ، بسببِ قلوبٍ منصَرِفةٍ وإرادةٍ عاصيةٍ تحتاج إلى تكرارِ الحديثِ، وإن ضاعَ بين بيتِ إيلِ أولاً وبيتِ إيلِ ثانيةً أكثرُ مِن عشرينَ سنةٍ في شنائعِ حاران وفضائحِ سكوت!

ولكن ها يعقوبُ يصِلُ إلى مَخاضَةِ يبُّوق (تك32)، وفي ليلةٍ حاسمةٍ لا تُنسى، أجازَ كُلُّ مَن له، وبقيَ وحدَه، وصارَعَهُ إنسانٌ حتى طلوعِ الفجرِ. وهذا الإنسانُ هو الربُ نفسُهُ. وطالما هو الربُّ فكيفَ يُكتبُ هذا التقريرُ الرهيبُ: «لمَّا رأى أنه لا يقدر عليه» (ع25)؟ هذه شراسةُ الجسَدِ وشوكتُه التي تجعلنا - إن جاز لنا التعبير أن نقولَ - إنه دون ضْربِ حقِ الفخذِ وتعجيزِ قوة الجسدِ، لا يقدر الربُّ أن يبدأ عَمَلَه.

خرَّ مَن ظنَّ البطولةَ عاجزًا، ثم قال له الربُّ: «أَطلِقنِي». وهل أرادَ الربُّ أن يغادِرَهُ بالفعلِ؟ كلاَّ يا عزيزي، ففي مرةٍ «تظاهر كأنه مُنطلِقٌ إلى مكان أبعَد» ( لو 24: 28 )، وأخرى: «أراد أن يتجاوزهم» ( مر 6: 48 )، ولماذا؟ للكشفِ عن مدى إصرارِنا وصِدقِ رغبتِنا في البقاءِ معه. فهل نغلِبُه نحن أم يغلبنا هو؟ وكيف نغلِبُ الله؟ الإجابة جميلةُ وبسيطة: «بكى واستَرْحَمَهُ». وهذا ما يسميه هوشع بالجهادِ والغَلَبة.

بطرس نبيل
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net