إن كان يُمكن أن يَخلُص الإنسان فهو كذلك يُمكن أن يَهلَك، وعليه أن يختار أحد الأمرين. إنه لمُحزن حقًا أن يتصوَّر الكثيرون أنهم إذا وقفوا موقف الحياد بإزاء هذا الموضوع فإنهم بذلك ينجون من دينونة الله. ولكنهم إن كانوا لم يُكوّنوا لأنفسهم رأيًا، فالله قد كوَّن رأيه، وهو يقول: «وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعدَ ذلك الدينونة» ( عب 9: 27 ).
لقد كَثُر الكلام في حادثة الغني ولعازر، وقد صُورت لنا الصور العديدة، ولكننا نفقد النقطة الجوهرية فيه إذا جعلنا تفكيرنا محصورًا في عذاب الغني. إن ما يريدنا الرب أن نتأمل فيه ليس هو عذاب الهاوية فقط، بل السبب الذي لأجله جُعل العذاب مقرًا للغني. إن النقطة الجوهرية في الموضوع هي هذه: إن موضع العذاب ليس مأهولاً بالفجار الخطاة فقط، بل وبغير المُبالين بالأمور الإلهية الأبدية أيضًا. إنك عندما تُطالع هذه القصة لا تجد ما هو ضد هذا الغِنَى. فلا توجد خطية خاصة في كون الإنسان غنيًا، وفي كونه يلبس الملابس الغالية ويتغذى بالمأكولات الجيدة الثمينة، ومع هذا فقد «مات الغني أيضًا ودُفن، فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب». ربما تقول: ”ولكن كيف يُرسل الله شخصًا مثل هذا إلى الهاوية؟“ والجواب: هو أن الله لا يُرسل أحدًا إلى الهاوية. لا يوجد شخص واحد قد دخل الهاوية أو سيدخلها في المستقبل لأن الله أرسله إلى هناك. قال المسيح للذين عن اليسار: «اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المُعدَّة لإبليس وملائكته» ( مت 25: 41 ). إذا وجَد شخص نفسه في ذلك المكان الذي لا تدخله رحمة الله فليعلَم أنه في مكان لم يَعِدَّه الله له بالكُلية. لم يَعِدَّه الله له، ولكن إصرار قلبه على عدم الإيمان وقبول خلاص الله هو المسؤول عن هذا المصير المرعب المخيف للغاية. بالعكس قد فعل الله كل ما يمكن ليُبعد بينه وبين الهاوية والعذاب، والجلجثة هي البرهان الذي لا يُدحَض على ذلك. لا يمكن لإنسان أن يجد نفسه في الهاوية إلا بعد أن يكون قد تخطى صليب الجلجثة وصمَّ أذنيه عن الأصوات المُتكررة التي أسمعه الله إياها لقبول الفادي المصلوب.