إن صليب المسيح هو مركز مقاصد الله ومشوراته الصالحة، والتي هي بحق أعماق الله ( 1كو 2: 10 ). وهو أيضًا التعبير عن حكمة الله.
يحدِّثنا الرسول بولس عن الله مصدر الحكمة الإلهية المتنوعة، ونحن نرى أن هذه الحكمة تغطي ثلاث مراحل زمنية تبدأ بالأزل، مرورًا بالزمن، لتمتد إلى الأبد. فهذه الحكمة مُخفاة عن الإنسان، مطوية في سر. فهي الحكمة المكتومة في الله أزلاً، ولم يمكن لإنسان أن يعرفها في كل الأجيال السابقة لصليب المسيح، حتى أنبياء وقديسي العهد القديم.
ولكن في الزمان الحاضر قد أُعلنت لنا هذه الحكمة بواسطة الروح القدس الذي أعلنها لبولس والرسل ( 1كو 2: 10 ). فبعد صليب المسيح نزل الروح القدس ليُطلِع المؤمنين على هذه الحكمة التي بمقتضاها عرفنا كل مقاصد الله الصالحة لبركة الإنسان بواسطة صليب المسيح.
إن صليب المسيح هو المكان الوحيد الذي استُعلِنت فيه حكمة الله بصورة مُطلقة، إذ في الصليب استُعلنت كل صفات الله مجتمعة معًا دون أدنى تعارض أو اصطدام، بل في انسجام وتوافق عجيب، حيث في الوقت الذي استُعلنت فيه قداسة الله وبره في دينونة الخطية، استُعلنت محبة الله ورحمته لخلاص الإنسان. ففي الصليب فقط «الرحمة والحق التقيا، البر والسلام تلاثما» ( مز 85: 10 ).
ففي توافق عجيب لهذه الصفات اتجهت العدالة لإيفاء مطاليب الله، واتجهت الرحمة لخلاص الإنسان. فالحكمة تتجه في الصليب لإيفاء مطاليب السماء من فوق، وتسديد أعواز الإنسان على الأرض.
ومن الوجهة الأخرى اتخذ الله من صليب المسيح واسطة يبرهن بها على بُطلان كل حكمة بشرية، بل إن الله في الصليب اعتبر هذه الحكمة جهالة، بسبب عجز هذه الحكمة البشرية عن معرفة الله معرفة حقيقية.
وفي الكرازة بالمسيح مصلوبًا نرى وجهًا آخر لحكمة الله. فالصليب مظهَر من مظاهر الضعف المُطلق حيث نرى المسيح وقد أخضع نفسه لحكم الموت، في مشهد الضعف، الذي هو الطريق الوحيد لخلاص الإنسان. فأصبح الصليب لليهود عثرة، فكيف يؤمن اليهودي بمخلِّص مصلوب، وطبقًا للناموس يعلم اليهودي أن المُعلَّق على خشبة مرفوض من الله؟ ( تث 21: 22 ، 23). واليونانيون اعتبروا قصة الصليب نوعًا من الجهالة لا يمكن أن يقبلها العقل البشري، لكنه بالنسبة لنا نحن المخلَّصين فهو قوة الله للخلاص.