الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الخميس 8 يناير 2015 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
الرجل الذي سارَ مع الله
وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ بَعْدَ مَا وَلَدَ مَتُوشَالَحَ ثَلاَثَ مِئَةِ سَنَةٍ ( تكوين 5: 22 )
يقول الكتاب إن أخنوخ سار مع الله «بعد ما وَلد ...». لقد اختبر معنى الأبوَّة، وفهم ما يكِنّه الأب لأولاده، وبالتأكيد استخدم الله ذلك ليُعلِن له أبوَّته. أدرك أن قلب الله ملآن من نحوه بالحب والجود، الرأفة والصلاح. فبدأ يخاطبه بما في قلبه، يحكي له وهو يعلم أن أباه يُحسِن الاستماع إليه، ويفهم دواخل قلبه كابن. امتلأ يقينًا أنه يتعامل مع شخص هو الأقرب إليه من الكل، والأحن، والأكثر استعدادًا ورغبة وقدرة للعطاء. فلنعلم أنه إن كنا، بالإيمان بالمسيح، مِنَ «الذين قبلوه» فقد تمَّ فينا القول: «أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله» ( يو 1: 12 ). ولندرك، بناءً على ذلك، أنه من حقنا أن نهتف بدالة البنين: «يا أبا الآب» ( رو 8: 15 ). لنا أن نتمتع بحنان قلب آبٍ أعطى في جوده حتى مسرة قلبه. لكن، من الجانب الآخر، علينا ألاَّ ننسى القول: «إن كنتم تدعون أبًا الذي يحكم بغير مُحاباة حسب عمل كل واحدٍ، فسيروا زمان غُربتكم بخوفٍ» ( 1بط 1: 17 ). وإدراكنا لأبوَّة الله بشقَّيها، يؤهلنا عمليًا للسير مع الله كأخنوخ.

دعا أخنوخ ابنه «متوشالح» والذي يعني ”مات فأرسل“!! اختيار غريب! ويزداد تعجُّبنا حينما نعرف أن السنة التي مات فيها متوشالح هذا، كانت هي السنة التي أرسل الله فيها الطوفان على الأرض. ربما كان اسم متوشالح أول نبوة لأخنوخ، لكن الواضح أنه، بشكل أو بآخر، أعلن الله له أن العالم الذي يعيش فيه إنما هو إلى الزوال. فأدرك ما أُعلن لنا نحن بوضوح أن «هيئة هذا العالم تزول» ( 1كو 7: 31 ). وهل يُشبع الزائل القلب؟! وهل يمسك العاقل بالريح؟!

ولقد قَبِلَ أخنوخ، بالإيمان، هذا الأمر، فعاشه. فضَّ يده من هذا العالم، وخَلا قلبه من محبته. وهكذا أصبح قلبه مهيًّأ للشركة مع الله. إن أردنا العيش في هذا الجو العَطِر، فعلينا أن نَعي ونوقن أن علينا الاستماع للقول: «لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم» ( 1يو 2: 15 ). إن انشغالنا بأمور العالم، وجرينا وراء مسرَّاته وملَّذاته، وامتلاء عيوننا ببريقه والانبهار به؛ كلها أمور تفقدنا الشهية الروحية للشركة الحُبية مع إلهنا الكريم. فيا للعجب أن نتمسَّك بمثل هذه الأمور مع عِلمنا بزوالها، ونفرِّط في النصيب الصالح الذي لا يُنزع!!

وإن أضفنا معنى اسم ”أخنوخ“، وهو ”مكرَّس“، تكتمل الصورة؛ لقد أصبح يتعامل مع الأمور على اعتبار أنه يخص الله وحده دون سواه. لقد ترك الزائل ليمسك بالباقي، ونِعمَ النصيب.

عصام خليل
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net