الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الخميس 30 إبريل 2015 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
أحزان بحر المُر (2)
وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ، مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ ( يوحنا 19: 25 )
تحدَّثنا في الأسبوع الماضي عن المرار الذي تجرَّعته المُطوَّبة مريم، وعن السيف الذي كان يجتاز في أحشائها وهي بجوار ذيَّاك الصليب. ونواصل اليوم تأملاتنا فنقول:

رابعًا: هي تراه يموت وتعجز عن مواساته. ها دماؤه تنزف من جبينه وهي لا تقوى على تجفيفها. حَلقُه يَبس، وتحس بحاجته إلى الشُرب، لكن غير مُصرَّح لها أن تُبللِّه بقطرة ماء. يداه، تلك اليدان اللتان أمسكت بهما في طفولته، وقدماه اللتان درَّجتهما في أولى خطواته، ها هي الآن مُسمَّرة بالمسامير. وثغره الباسم التي كانت هي أول من طَبعت عليه قُبلات فمها، ها هو الآن في حالٍ آخر. وها الجبين الوضَّاح تعلوه الأشواك والجِراح. بالإجمال «كان منظرُهُ كذا مُفسَدًا أكثر من الرجل» ( إش 52: 14 ). إنها تحس بوخزات المسامير، وتلك الأشواك التي طوَّقت رأسه كانت كأنها غلالة من لهب حول قلبها هي. وتعييرات المُعيِّرين جرحتها هي مثلما جرحته.

إن المُطوَّبة مريم على مِثال ابنها البار، هي أيضًا مُختبِرة الحَزَن. ومع أنها كانت تُعاني هذا الشَجَن المُذيب، فمع هذا لا نراها في حُزن هستيري ولا في نوبات تشنُّج: لا نقرأ عن لطماتها ولا عن صرخاتها، ولا نقرأ أنها كانت مُنهارة، بل يقول البشير: «كانت واقفات عند صليب يسوع، أُمه». كانت تعاني حزن روحها العميق في صمت!

ماذا لو كانت هربت لكي لا ترى هذا المنظر؟ ماذا لو خارت قواها؟ ماذا لو سقطت مغشيًّا عليها؟ يقينًا كنَّا سنلتمس لها المعاذير والأسباب القوية. لكنها إذ رأت أنها لا تستطيع أن تخفف من آلامه، فإنها على الأقل لا تزيدها إذا رآها مُنهارة، وقد فارقتها قواها. لذا نقرأ أنها كانت واقفة! إن يعقوب، الرجل، لم يحتمل أن يرى قميص ابنه المحبوب يوسف مغموسًا في الدم. أما المطوَّبة مريم فقد رأت مَنْ هو أعظم من يوسف وقد اقتسم العسكر كل ثيابه، وجسده كله ينزف الدم، ويموت أمام عينيها هذه الميتة البشعة، ومع ذلك كانت واقفة!

يا لعظمة التعبير «واقفات»! يا للبطولة والشجاعة والثبات، بالإضافة إلى الحب والوفاء الذي نستشِّفه من قول الوحي: «كانت واقفات عند صليب يسوع، أُمه»! هذا ما كان من مريم أُمه وباقي النساء الواقفات معها في ذلك اليوم العصيب، فماذا بالنسبة لك أيها القارئ الحبيب؟ أ تراكَ  تنفر من الصليب الذي كان وسيلة فدائك؟ أ تخجل من المصلوب الذي أحبَّك ومات لأجلك؟ أم أنك وبإخلاص تُردِّد ترنيمتنا الجميلة التي يقول مطلَعها:

قِفْ يا جندي جانب الصليبْ؟

يوسف رياض
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net