الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الخميس 16 يوليو 2015 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
أرملة صرفة والشونمية
مَاتَ.. أَضْجَعَتْهُ عَلَى سَرِيرِ رَجُلِ اللهِ، وَأَغْلَقَتْ عَلَيْهِ.. وَقَالَتْ:.. أَجْرِيَ إِلَى رَجُلِ اللهِ وَأَرْجِعَ ( 2ملوك 4: 20 ، 22)
كانت أرملة صرفة الفقيرة تتطلع إلى «ملء كف من الدقيق في الكوار، وقليلٌ من الزيت في الكوز» بذهن أخذ منه القلق مأخَذه، فخليقٌ بها أن تقتصد في قوت يومها القليل ما أمكن، بينما الشونمية كانت امرأة عظيمة في بحبوحة من العيش. ومع أن إيليا ألزم الأرملة أن تُقدِّم له طعامًا، فبالعكس نجد الشونمية تُمسِك أليشع ليأكل خبزًا. والسبب في وجود هذا الفرق هو الشركة المقدسة التي كانت للشونمية مع الله، وليس منشأ هذا الفرق شخصية كل من السيدتين.

فلا حاجة للشونمية إلى الملك ولا إلى رئيس الجيش، إنما شوق قلبها الحار أن تعرف قوة الله المُحيية في القيامة، وحنين قلبها أن تشغَل نفس المركز الذي شغَلته سارة وحَنَّة في الأجيال السالفة، بل اشتهت أن ترى الله الحي في عظمة قوته مُتداخلاً في أمرها منتصرًا على ضعف الطببيعة وموتها. قد تمنَّت أن تُسبِّح في أشعة مجد الله المُنيرة، وأن يكون لها شركة مع الحق الأسمى، وأن تطأ قدماها أجلّ مسالك الحياة الإلهية.

هذه مطامح الشونمية، فلم تكن نظير أرملة صرفة تتوقع الموت وهي قائمة بجانب الكوار والكوز الفارغين، بل كان إيمانها يرجو العظائم من الله الحي، فلم تَخِب آمالها ولا خزى وجهها فأُعطيت أن تحتضن ابنًا وتختبر في نفسها قوة القيامة، فلم تعرف الله كإله العناية فقط الذي يملأ الكوار والكوز، بل كإله القيامة الذي يُقيم من بين الأموات.

ثم لنتأمل تصرُّفها وهي ساجدة حين افتقاد الله لها، فنزلت إلى العمق بعِلمها وازدادت عِلمًا، وليس كأرملة صِرفة التي لم تتعلَّم إلا في العمق إذ وقفت في حضرة الموت وهي جاهلة تمامًا أمر القيامة، أما الشونمية فسارت بقوة القيامة وسط ظروف الموت منتصرة فائزة، فاستطاعت أن تضع ابنها الميت عند أقدام إله القيامة، موقنة أنه قادر على إقامته. والكثيرون منَّا يكتفون بأن يشغلوا مركز أرملة صرفة عوضًا عن أن يتوقوا إلى مركز الشونمية الرفيع. كم نحسب أنفسنا سعداء إذا رأينا الكوار والكوز تملأهما عناية الله السخية، ومن ثم نقصِّر في السعي وراء شركة أعمق تنشأ من رؤية إله القيامة! حقًا ما أحلى مراحم عناية إلهنا، ولكن هناك ما هو أسمى منها؛ الشركة مع شخصه المبارك التي نذوقها في وادي الموت. فنحن لا نحتاج إلى القيامة لملء الكوار والكوز، بل نحتاج إليها لإقامة الجسم الميت وإقامة الابن الميت.

روسييه
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net