الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الخميس 27 أغسطس 2015 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
اذكروا امرأة لوط
وَنَظَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ! ( تكوين 19: 26 )
نحن لا نحتاج للذهاب للبحر الميت لنرى فيه نَصبْ امرأة لوط الرهيب لكي نأخذ العِبرَة ونَعي التحذير، لأننا نراه مُنتصبًا في أي مكان وأي زمان، في صورة كل إنسان ميَّزته رحمة الله وعنايته بظروف زمنية مُيسَّرة ووسَط ديني حسن، مليء بالامتيازات الروحية، فيتعلَّق بها في بادئ الأمر ويسير بمقتضاها فترة، ثم لا يلبث أن يتحوَّل عنها ويذهب بعيدًا وراء غرور الغنى وشهوات سائر الأشياء، ثم ينتهي أخيرًا خاوي الوفاض ومُحطَّم الآمال، مُدمَّر الحياة وفاقد الخلاص.

«نظرت امرأتهُ من ورائهِ فصارت عمود ملح!» .. كانت لحظات عصيبة ومُرعِبة، والصراع فيها كان رهيبًا، تلك اللحظات التي لم يجد فيها لوط زوجته تسير بجانبه، فمن ناحية كان يريد أن يستدير ليعرف ما الذي أصابها، ومن الناحية الأخرى كان يعي التحذير جيدًا «اهرب لحياتك. لا تنظر إلى ورائك، ولا تقف في كل الدائرة. اهرب إلى الجبل»، فلم يستطع أن ينظر إليها حتى مجرَّد نظرة الوداع.

آه كم أنت قاسٍ أيها العالم الشرير، شِباكك كثيرة، وجاذبيتك رهيبة، وخداعك بلا حدود، لديك من الأشياء ألوانًا وأشكالاً وأصنافًا، وما من إنسان مؤمن أو خاطئ لديه حصانة في ذاته من خداعك، تعرف كيف تصطاد النفس البشرية الكريمة كما يصطاد الذئب الفريسة، فإذا ما طلب الانسان الشهرة الفانية، قدَّمت له. وإذا ما أراد المجد الزائل أسرعت به له. إذا ما اشتهى الغنى غير اليقيني، أكثرت منه. في عطائك خدَاع كبير، وفي قساوتك مُدمِّر فظيع، الأخلاق الجميلة تُفسِد، والمشاعر النبيلة تتلف، والنفس الغالية تُهلِك. وهذا كله لأن الشيطان الكذَّاب والقتَّال مؤسسك.

خَسرت امرأة لوط الراحة والهدوء، الأولاد والأصهار، الشهرة والنفوذ، الثروة وكل الممتلكات، على أن أقسى كل هذه الخسائر الفادحة، هي خسارة النفس، فطالما استطاع الإنسان أن يعوِّض على المدى القريب أو البعيد، كل خسارة مادية، لكنه يعجز تمامًا عن تعويض خسارة النفس الضائعة في الحياة الحاضرة والعتيدة أيضًا.

أيها الأحباء: علينا أن نتذكَّر امرأة لوط، المرأة التي سارت رحلة من أعظم رحلات الإنسان على الأرض، وعاصرت إبراهيم خليل الله، وسمعت عن الدعوة والوعد، لكنها أخيرًا فضَّلت سدوم (العالم) على كنعان (السماويات)، فلم تدخل هي إلى سدوم فحسب، بل دخلَت سدوم بأكملها في قلبها، فشاركت سدوم في مصيرها.

شنودة راسم
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net