الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الخميس 13 أكتوبر 2016 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
داود ونُكران الذات
يَا رَبُّ، لَمْ يَرْتَفِعْ قَلْبِي، وَلَمْ تَسْتَعْلِ عَيْنَايَ، وَلَمْ أَسْلُكْ فِي الْعَظَائِمِ، وَلاَ فِي عَجَائِبَ فَوْقِي ( مزمور 131: 1 )
يا لروعة ما تحلَّى به داود من نكران للذات، وقد تمكَّن من إغاثة الملهوف وإنقاذ المظلوم! فيوم أن استطاع أن يخفف عن شاول وطأة الروح الرديء بمهارته في الضرب على العود، وبعد ما كان الروح الرديء يفارق الضحية، كان داود يحمل العود راجعًا به إلى سهول بيت لحم ليهنأ بخلوة الشركة مع الرب، بطريقة لم تكن ميسورة له في زحمة البلاط الموبوء. وبعد القضاء على جليات وهزيمة الفلسطينيين، لم يسعَ إلى التكريم الذي كان قد سمع بهِ، ولم يتذمر لأن الوعود الملَكية لم تتم، بل عاد - وفي ذات هدوء البساطة - واستأنف رعاية غنم أبيه. هل يرتاب أحد منَّا في أن يكون مثل هذا الرضى وتلك الوداعة حسب قلب الله؟ أ ليس هذا تنفيذًا لمشيئته؟ ( أع 13: 22 ).

وخذ مثالاً آخر: مسلك أليآب الساخر يوم اتهمه بالكبرياء وشر القلب، زاعمًا أنهما الباعث الذي أتى به إلى المحلة، هل أثار فيه هذا المسلَك تبرُّمًا وأنينًا؟ هو بكل بساطة يُجيب أخاه: «ماذا عملتُ الآن، أمَا هو كلامٌ؟»، ثم «تحوَّلَ من عندهِ»!! إن هدوء الروح هذا، في لحظة الإهانة غير المألوفة، لم يكن طبيعيًا ومألوفًا منه، فهو في ذلك واحد مثلنا، تحت نفس الآلام والانفعالات. وإليك عيِّنة يوم استثاره نابال، فقد أطلّ طبعه المُتقد من خلال تلك الإثارة؛ توقَّد غيظًا، وكان يوشك أن ينتقم لنفسه نقمة عارمة، لو لم تُقيده أبيجايل في تبكيت حكيم لطيف (1صم 25). ونفهم من مزمور19: 13 مدى إحساسه بناحية الضعف هذه حين يقول: «أيضًا من المُـتكبرين (أو الكبرياء) احفظ عبدكَ فلا يتسلَّطوا عليَّ. حينئذٍ أكونُ كاملاً وأتبرأ من ذنبٍ عظيم». فقد أدرك أن سلسلة خطايا الكبرياء تنتهز كل فرصة لفرض سيطرتها.

وكذلك نقدر أن نتبيَّن من مزمور 131 كيف أنه استطاع أن يُذلِّل انفعالاته بكثير من التدريب النفسي الصحيح؛ فقد كان تدريبه بمثابة عملية فطام أليمة، إلا أنها ضرورية، لكنه قام بها بالنعمة إلى أن أصبحت نفسه كفطيم «يا رب، لم يرتفع قلبي، ولم تستعْل عيناي ... بل هدَّأت وسكَّت نفسي كفطيم نحوَ أُمهِ». وهذا حسب قلب الله «الروح الوديع الهادئ، الذي هو قدام الله كثير الثمن» ( 1بط 3: 4 ). ومع أن هذه الاتجاهات حبيبة لدى النفس، لكنها ليست سببًا للافتخار. لقد كان الرب معه، وهذا هو مفتاح تاريخ حياته كلها.

علِّمني أن أكونَ صامتًا كما كنتَ يا سيدي تواجه الآلامْ
درِّبني دومًا كي أصيرَ مُبطئًا مُفكِّرًا بلا اندفاعٍ في الكلامْ

ماكنتوش
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net