الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الخميس 16 مارس 2017 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
يوحنا المعمدان .. مَن أنت؟
«أنا صوتُ صارخٍ في البرية: قوّموا طريق الرب، كما قال إشعياء النبي» ( يوحنا 1: 23 )
كان يوحنا المعمدان رجلاً ذا قوة حقيقية، وأهليَّة واستحقاق عظيمين، وموهبة ونعمة حقيقيتين، ولِذا كان متواضعًا وغير مُدَّعيًا. وعلى العموم نجد أن العظماء الحقيقيين هم الذين يَخفون أنفسهم، وإن اضطروا إلى الكلام عنها إنما يفعلون ذلك بغاية الاقتضاب والاختصار. فداود لم يُلمِّح قط إلى حادثة نصره العجيب وقتله الأسد والدُّب إلا لمَّا أُجبر على ذلك بعدم تصديق شاول له. وبولس لم يتكلَّم عن اختطافه إلى الفردوس إلا لمَّا اضطـر إلى ذلك بسبب جهالة الكورنثيين، ومع ذلك فقد عدّ كلامه عن نفسه وعن عمله، جهالة ( 2كو 11: 17 ، 21).

فالوداعة والتواضع وعدم الظهور لها قيمة عظيمة أمام الله والناس، والذين هم على شاكلة داود ويوحنا وبولس، يُسَرُّون بجعل أنفسهم وراء سَيِّدهم، ويَنسون أنفسهم في حضرة ضياء مجده الأدبي. هذا كان فرحهـم، وفيه وجدوا أعمق وأكمَل وأغنى بركاتهم، لأن أعلى وأنقى التمتعات التي يمكن لأي مؤمن أن يصل إليها هي نسيان نفسه في حضرة الله. وهذا الأمر يجعلنا لا نبالي بالنفس، وإذا فحصنا ضمائرنا بأمانة يتجلَّى لنا ما فينا من دوام الميل إلى الإفراط في تفكُّرنا بأنفسنا أكثر مما ينبغي. أ لسنا جميعًا ميَّالين لأن نُعلِّق أهمية عُظمى لأقل عمل نعمله، ونكبر على ما له علاقة بنا، مهما كان صغيرًا، ونُفخمه مهما كان حقيرًا؟ هذه هي الحقيقة، وهذا ما يوجب الأسف، ولذا نحن في احتياج شديد إلى هذه التعاليم النافعة التي يتضمَّنها إنكار الذات العجيب الذي ظهر بأجلى بيان في يوحنا المعمدان الذي لمَّا أُلزم بالتكلّم عن نفسه، أمكنه أن يتنازل إلى درجة الظل، ولم يستنكف أن يضع نفسه في مركز الخيال، قائلاً بملء فيه: ”ما أنا إلا صوت“.

ما أغرب هذا الجواب، وأشد وقعه على آذان الفريسيين الذين أُرسِلوا لاستجواب يوحنا! «وكانَ المُرسَلُونَ من الفريسيين» ( يو 1: 24 ). ولم تُذكَـر هذه العبارة عفوًا ولا بدون مناسبة لأن الفريسيين لا يعرفون إلا قليلاً عن اختفاء النفس والتخلِّي عن الذات، لأن هذه الثمار النادرة النفيسة لا تنمو تحت جو الفريسية المُذبل، بل تنمو في الخليقة الجديدة، حيث لا توجد فريسيَّة هناك، لأن الفريسيَّة في كل مظاهرها ودرجاتها هي ضد إنكار الذات وعكسها على خط مستقيم، ولذا صار وَقعْ جواب يوحنا غريبًا على مسامع سائليه.

بللت
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net