الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق ‫الأحد‬ ‫17‬ ‫مارس‬ 2019 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
‫دفن المسيح‬
‫«وَجُعِلَ مَعَ الأشرَارِ قَبرُهُ، ومَعَ غَنِيٍّ عِندَ مَوتِهِ»‬‫ ( إشعياء 53: 9 )
‫ إن ذاك الذي صُلب بين لصين، كان من الطبيعي أن يعامَل جسده ذات المعاملة نظيرهما، فَيُدْفَن مع الأشرار، أو ربما أُحرق جسده في وادي هنوم. لكن الإنسان في التفكير والله في التدبير «في قَلبِ الإِنسَانِ أَفكَارٌ كثِيرةٌ، لكِن مَشُورةُ الربِّ هيَ تَثبُتُ» ( أم 19: 21 ). وربما لم تظهر سيطرة الرب على الظروف، وتَحَكُّمه حتى في مشهد شر الأشرار، أفضل ممَّا ظهرت هنا في مسألة دفن المسيح. والله المُسيطر على ملايين الأشياء المنظورة وملايين الأشياء غير المنظورة، والله المُسيطر على كل الناس، حرّك أفرادًا عديدين في ذلك الوقت الحَرِج. كانت البداية أن تحرَّك قادة أُمة اليهود – نظرًا لتعصبهم الديني – على نحو ما نقرأ في يوحنا 19: 31، وأرادوا سرعة دفن المصلوبين، كي لا تبيت جثثهم مُعَلَّقَة في ذلك اليوم العظيم، فيتدنس سبت عيدهم. ما زلنا نشتَّم من تصـرفات قادة أُمة اليهود رائحة الرياء العفنة. لكن كما قيل في سفر الرؤيا عن ملوك أشرار، إن الله وضع في قلوبهم أن يصنعوا رأيه ( رؤ 17: 17 )، هكذا هنا؛ فهو الله الذي على الكل.‬

‫ إذًا فلقد تقدَّم قادة أُمة اليهود بطلبهم سالف الذكر إلى بيلاطس الوالي، فوافق عليه، وذلك لأن «قَلبُ المَلكِ فِي يَدِ الرَّبِّ كجَداولِ ميَاهٍ، حيثُما شَاءَ يُمِيلُهُ» ( أم 21: 1 ). وهم إن كانوا قد قرَّروا أن يدفنوا جسد الرب مع باقي المُذنبين، ألا أن الله لم يسمح بذلك «وجُعِلَ معَ الأَشرارِ قَبرُهُ، ومعَ غَنيٍّ عندَ موتهِ» ( إش 53: 9 ). ففي تلك الأثناء، كما نقرأ هنا جاء يُوسُف الرَّامي، وطلب من بيلاطس جسد يسوع، فوافق بيلاطس أيضًا على طلب يُوسُف، ووهبَهُ الجسد. فيبدو أنه قد التقَت رغبة اليهود في سرعة دفن الأجساد، مع رغبة بيلاطس في إعطاء جسد هذا الإنسان البريء لأحد أصدقائه، ومع طلبة يُوسُف الرَّامي بأخذ الجسد، وهكذا كان الله مسيطرًا على كل الأمور.‬

‫ لقد تقدَّم يُوسُف الرَّامي إلى الصليب في الوقت العصيب، وكأنه يُردِّد في نفسه: يا مَن كان من حقك عليَّ أن أكرمك في حياتك، ليكن إكرامي لك في موتك مقبولاً لديك. لقد قَرَّر أن يقف إلى جوار المسيح بعد أن مات، حتى ولو خسر صداقة حنان وقيافا، بل حتى ولو خسـر رضى كل اليهود. لقد صهرت نيران صليب المسيح أغلال خوفه من الناس، وأحرَقت الرُبط التي كانت تربطه بنظام فاسد ومرفوض من الله، وبعالم أتت دينونته، وبجيل مُعَوَّج ومُلتوٍ .. فكان هو من أوائل مَن استفاد من كلمات المسيح «وأَنَا إِنِ ارتَفعتُ عنِ الأَرضِ (بالصليب) أَجذِبُ إِليَّ الجَميعَ» ( يو 12: 32 ).‬

‫ يوسف رياض‬
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net