لقد أعطى الرب الفلاح حكمة في زرع البذار، فهو يُميِّز بينها، ويبذرها بنظام، كل في مكانه. فالبذار الأكثر أهمية مثل الحنطة، يبذرها في صفوف من الداخل، أما الشونيز (اليانسون) والكمون فهي تُوضع في الأركان من الخارج. إن الفلاح يعرف جيدًا البذار التي تدر عليه محصولاً وفيرًا فيعتني بها أكثر. وهكذا الله في حكمته غير المحدودة، يعرف أن يضع كل واحد في مكانه وظروفه اللازمة، كي يأتي بثمر كثير لمجد اسمه. إن الآب السماوي يعلم جيدًا مقدار ونوع التأديب اللازم لأولاده كي يكونوا أكثر نضوجًا وأوفر ثمرًا.
وتدريبات الله وتأديباته مناسبة لكل واحد من أولاده «إِنَّ الشُّونِيزَ لاَ يُدْرَسُ بِالنَّوْرَجِ، وَلاَ تُدَارُ بَكَرَةُ الْعَجَلَةِ عَلَى الْكَمُّونِ، بَلْ بِالْقَضِيبِ يُخْبَطُ الشُّونِيزُ، وَالْكَمُّونُ بِالْعَصَا. يُدَقُّ الْقَمْحُ لأَنَّهُ لاَ يَدْرُسُهُ إِلَى الأَبَدِ» ( إش 28: 27 ، 28). إن الفلاح يعرف طبيعة البذار، ويُميِّز بين الحبوب، فلا يتعامل معها بطريقة واحدة، ولا يستخدم أساليب الدراس ذاتها لكل أنواع الحبوب. فبينما يتطلب القمح استخدام النورج، فإن الفلاح يستعمل القضيب بلطف مع الشونيز، كذا العصا مع الكمون. فالفلاح الحكيم الخبير يعرف كيف يدرس غلاله بحيث لا يُتلفها. وحالما ينفصل الحَبّ عن القش، تتوقف عملية الدراس. وهذا ما يفعله الله معنا. إنه يختار التدريب المناسب لكل واحد، كل حسب حاجته، وحسب احتماله، وحسب إدراكه. إنه لا يستخدم النورج الثقيل القاسي حيث يمكن الاكتفاء باستخدام قضيب خفيف. ليس الهدف سحق الحَبّ وإتلافه، بل تنقيته والمحافظة عليه. فإذا سمح الله بالضيق، فلأن لا سبيل للحصول على النتيجة دون الضيق. وإنه لا يستخدم من القوة أو من الوقت ما يزيد عن الحاجة. الثمر المتكاثر هو الهدف من كل معاملات الله معنا.