يوحنا بنيان في “سياحة المسيحي” يصف آخر محطات الراحة في هذه السياحة بأن سمَّاها “أرض بَعُولَةَ” ( إش 62: 4 )، شمسها تضيء نهارًا وليلاً، وهَوَاؤها مُعطر لطيف. تطوف بنواحيها أنغام شجية، ويتفتح فيها الزهر كل يوم. هذه الأوصاف الجميلة كان يقرأها واحد من رجال الله قُبيل رقاده بأسابيع قليلة، فقال قبل وفاته: “لقد عشت هذه الأسابيع القليلة في تلك الأرض الحبيبة. كنت واحدًا من سكانها السعداء، مناظرها ملأت نواظري، وأشرقت أمجادها في خاطري، ونسيمها الرقيق المُعطر أنعش نفسي، وسَرَت روحها في قلبي مع الأنفاس. والآن لا يفصلني عنها سوى نهر الموت الذي يبدو أمامي كجدول صغير، فما هي إلا خطوة واحدة وأعبره عندما يشاء الله”.
وماذا نقول عن هذه المدينة ذاتها؟ من المستحيل أن نصف كنه الحياة في عالم آخر. والسماء، التي هي ميراثنا العتيد، توصف في لغة الأرض بالمُباينات، أي بأوصاف تتعارض وتتنافر مع طبيعة الأمور التي تستكدنا وتقسو علينا هنا في الأرض. نحن هنا نعرف الألم، ونختبر الحزن، ونذرف الدمع، ويكتنفنا الظلام، ونرقد بالموت. وهذه جميعها لا تُعرف في السماء، فيُقال: «وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ» ( رؤ 21: 4 ). وفي سفر الرؤيا22: 3-5 نقرأ عن كمالات سُباعية لهذا الوطن الحبيب: (1) كمال انعدام الخطية: «لاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ». (2) كمال النظام والترتيب تحت سيادة الله: «وَعَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ يَكُونُ فِيهَا».
(3) كمال الخدمة: «وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ». (4) كمال الرؤية والبصيرة: «وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ». (5) كمال المُشابهة للرب: «وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ». (6) كمال البركة: «وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ». (7) كمال المجد: «وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ».