قريبك هو الإنسان مثلك؛ جارك في المسكن أو العابر عليك في الطريق، شريكك في الإنسانية من كل جنس ولغة. هذا عليك أن تُحبه. قد يكون غنيًا وأنت فقير مُعدم، وقصره الفخم يُجاور كوخك المتضع. وفي كل يوم ترى بعينيك خيرات بيته، وغلات أرضه، ومظاهر التنعم في ملبسه، وأطايب الطعام على مائدته؛ لا تحسده: الله أعطاه هذا كله. لا تشته شيئًا مما له. اقنع أنت بنصيبك، وإن لم تستطع أن يكون لك أفضل، فلا تتمنى له أن يصير مثلك فقيرًا، بل أحببه. إن كنت تُحبه فلا تحسده.
وقد يكون العكس. ربما كنت أنت الغني، ولك قريب يحتاج إلى الخبز الكفاف؛ لا تحتقره، ولا يصغر في عينيك. إنك ملزم بأن تُحبه. قد يضعه العالم في مركز أقل من مركزك، لكنه ليس بأقل منك. إنه بالحري عديلك بالتمام. هو إنسان مثلك، ولا يقل في هذا عنك. والله «صَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاس» ( أع 17: 26 ). صحيح أن ملابسك أفضل من ملابسه، وطعامك أفضل من طعامه. لكنك لست بأي حال من الأحوال أفضل منه. هو إنسان، وماذا تكون أنت أكثر من ذلك؟ فاحرص أن تُحبُّ قريبك، ولو كان يلبس الثياب الرَّثة ويعيش على الحرمان.
لكن قد تقول: “كيف أُحبُّ قريبي، ومهما عَمَلتُ له وأغدقت عليه، يُنكر الجميل ويضمر لي العداء؟” هنا بطولة المحبة. هنا جرأة المحبة. والمحبة الجريئة مكسبها كثير. وتعب المحبة هو المُثمِر دائمًا. ربما كان نكرانه للجميل هو الفرصة الكبيرة لمواصلة المحبة له. وإن لم تستطع أن تُرضيه، اعمل جهدك أن تُرضي سَيِّدك. فإذا احتقر محبتك، فالرب لا يحتقرها. والله يرضى بعمل المحبة تمامًا كما لو رضيَّ قريبك. لا تتوقف في محبتك له. وبذلك تكون مثل سَيِّدك الذي أحبنا ونحن أموات بالذنوب والخطايا، بل ونحن أعداء له.