يبدأ المزمور الثاني والعشرون بصرخة يأسٍ وأسىً صادرة من هذا الرجل المسكين الوحيد الذي تخلى عنه الله «إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي، بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي، عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي؟». نحن نعلم أن حقيقة ترك الله للمسيح وهو على الصليب أليمة وصعبة القبول، ولكن هذا هو ما حصل بالفعل. لقد ترك الله المسيح جسديًا، أما الآب فلم ينفصل لاهوتيًا عن الابن.
يُسجل لنا هذا المزمور سجل عذاب المسيح كابن الإنسان. فنحن ننظر الآن إلى ذاك الذي أتى من السماء آخذًا صورة إنسان. فقد أصبح إنسانًا ليُعلن لنا الله، وليفتدي الإنسان «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ» ( عب 2: 14 ). لم يكن بإمكانه أن يُخلّص أحدًا بحياته، مع أنها سامية كاملة نقية، لكن موته الكـفّاري هو الذي يُخلِّص البشر.
نرى في الإنسان يسوع المسيح على الصليب، الإنسان الكامل الذي تعلَّم الراحة في حضن الله، وتعلَّم أن يثق به في كل أمور حياته، فقد قال، له كل المجد: «الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي، وَلَمْ يَتْرُكْنِي الآبُ وَحْدِي، لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ» ( يو 8: 29 ). ولكن الله في تلك الساعة اليائسة، وعلى تلة الجلجثة الرهيبة، تركه. ولا يمكن لأحد أن يتخيل ثقل هذا الترك، فالمسيح وحده هو الذي احتمل ذلك. ولكن لماذا تركه الله وتخلّى عنه؟ ذلك لأنه على الصليب، في تلك الساعات الثلاث الأخيرة، وسط ذلك الظلام الدامس، جُعِل هو خطيةً، ووُضِعَ عليه إثم جميعنا. ولقد قال المُرنم: “قاسيتَ هولَ الصلبِ ... عرفتُ ما الأسبابْ ... ويلي لأجلِ ذنبي دخلتُ هذا البابْ ... هناك دقَ قلبي وسَالتْ الدموعْ ... هتفتُ ربي ربي ... حبيبي يا يسوع”.