كان إيليا يرقب نَهْر كَرِيث وهو ييبس يومًا بعد يوم، وأسبوعًا بعد أسبوع، وهو ثابت لا يتزعزع. وكم من مرة خامَرته الشكوك واليأس، ولكنه لم يسمح لظروفه بأن تحول بينه وبين إلهه! الشكوك تنظر إلى الله من خلال الظروف، كما تنظر إلى الشمس أحيانًا من خلال الدخان، فتحجب أشعتها. أما الإيمان، فإنه يضع الله بينه وبين الظروف، فينظر إليها عن طريق الله.
وهكذا صار ذلك النهر المتدفق خيطًا فضيًا، ثم تحوّل إلى بِرَك ضئيلة انتثرت في قاعه، ثم جفت هذه البِرَك تمامًا، وفي ذلك الوقت فقط «كَانَ لَهُ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: «قُمِ اذْهَبْ إِلَى صِرْفَةَ». جاءته هذه الرسالة، وهو منتظر لا يتزعزع.
لعل معظمنا لو وُجدوا في هذا الظرف، لكانوا قد ارتبكوا وتعبوا في اتخاذ التدابير ورسم الخطط قبل ذلك بزمن طويل، وكانوا قد كفوا عن أغنياتهم وترنيماتهم منذ ابتدأ تناقص المياه في النهر، وكانوا قد علَّقوا أعوادهم وآلاتهم الموسيقية على الشجر، وغاصوا في تأملاتهم وأفكارهم، وكانوا قد رسموا خطة معينة قبل أن يجف النهر تمامًا، وطلبوا بركة الله عليها، وغادروا المكان. ذلك لأننا جميعًا، مع الأسف الشديد، نميل كل الميل إلى اتباع إرادتنا الخاصة، وتنفيذ تدابيرنا وما نرسمه لأنفسنا من خطط ومشروعات، وإن لم يحضر صموئيل في الوقت الذي نتوقعه بالذات، فإننا نحشر أنفسنا في ما لا يليق بنا عمله، ونُقدِّم المُحرقة ( 1صم 13: 12 ).
هذه هي عِلة التعب والشقاء؛ إننا نرسم الطريق لأنفسنا، ونندفع فيه. وعندما تعترضنا الصعوبات، فحينئذ فقط نبدأ في التفكير عما إذا كانت خطواتنا الماضية متفقة مع إرادة الله، أو إننا يجب أن نطلب إرشاده. وكثيرًا ما أوقف الله ـــــ في رحمته ـــــ تقدُّمنا في الطريق. على أننا لو كنا قد انتظرنا في بداية الأمر حتى يكشف الله عن خطته، لمَا وصلنا إلى حالة الارتباك والحيرة، ولمَا اضطررنا أن نبلِّل خطواتنا بدموع الخجل والفشل.