“المَنُّ” هو الطعام الذي نزل من السماء بطريقة معجزية، لإعالة بني إسرائيل مدة الأربعين سنة في البرية. والبرية هي المكان الذي فيه نختبر حقيقة ذواتنا، كما نختبر ونتعلم فيه مَنْ هو الله لنا ومن نحونا، وفيه نختبر محبة الله وصلاحه وأمانته (تث8).
ولقد كان “المَنُّ” رمزًا جميلاً للإنسان الكامل، ربنا يسوع المسيح، في اتضاعه العجيب في حياته على الأرض. وقد أشار الرب نفسه إلى هذه الحقيقة في كلامه مع اليهود الذين تفاخروا بالمَنّ الذي أكله آباؤهم «فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَيْسَ مُوسَى أَعْطَاكُمُ الْخُبْزَ مِنَ السَّمَاءِ، بَلْ أَبِي يُعْطِيكُمُ الْخُبْزَ الْحَقِيقِيَّ مِنَ السَّمَاءِ، لأَنَّ خُبْزَ اللهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ» ( يو 6: 32 ، 33).
والتغذي بالمَنّ معناه التأمل في المسيح كالإنسان الكامل المُتضع الذي أعلن الآب للعالم، والتفكُّر في نعمته وصلاحه، وحنوه وعواطفه، ورقته ومحبته، ووداعته وتواضع قلبه، وصبره واحتماله، وطول أناته ومثاله الكامل.
و“المَنُّ” كلمة عبرية معناها “مَنْ هُوَ؟” لأنه «لَمَّا رَأَى بَنُو إِسْرَائِيلَ قَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَنْ هُوَ؟ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مَا هُوَ. فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي أَعْطَاكُمُ الرَّبُّ لِتَأْكُلُوا» ( خر 16: 15 ). وهكذا كان الحال مع ربنا يسوع المسيح عندما أتى إلى عالمنا هذا، مُخليًا نفسه من هالة المجد، مُستترًا في الناسوت الذي تهيأ له، وساترًا صورة الله تحت صورة العبد، فكُتب عنه: «كَانَ فِي الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ» ( يو 1: 10 ) وأيضًا «لَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا قَائِلَةً: مَنْ هذَا؟» ( مت 21: 10 ).
و“المَنُّ” ليس من نتاج الأرض، ولم يَنمُ في البرية، بل نزل من السماء، وفي يوحنا 6 نقرأ سبع مرات عن الرب يسوع أنه «النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ»، ويا لكمال الاتضاع!