في أول أصحاح من الكتاب المقدس ترد عبارة هامة مليئـة بالدلالات تتكرر فيه إحدى عشرة مرة ، هى عبارة "قَالَ الله". فالله الذي نعرفه هو الله المُتكلِّم. أما الأصنام فلها أفواه لكنها لا تتكلَّم، ولها آذان ولا تسمع ( مز 115: 5 ، 6)، وعليه فلا يمكن للبشر أن يكونوا في شركة مع تلك الآلهة الوهمية. على عهد إيليا صرخ أنبياء البعل لساعات طويلة "يَا بَعْلُ أَجِبْنَا. فَلَمْ يَكُنْ صَوْتٌ وَلاَ مُجِيبٌ" ( 1مل 18: 26 -28). أما الله الحي الحقيقي فليس كذلك، وأن يصمت الله فهذا في ذاته قضاء رهيب (1صم28).
والآية التي صدرنا بها هذا المقال، والتي تحدثنا عن الله المتكلِّم، تُعتبر تلخيصًا للكتاب المقدس كله. فالعهد القديم تلخصه العبارة "اَللهُ ... كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ"، والعهد الجديد تلخصه العبارة "كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ"!
يظن البعض أن الله في العصور المتأخرة فقط فكر أن يعطي للنـاس كتابًا، وأنه قبل ذلك لم يكن لدى البشر إعلان من عند الله. ترى أيمكن أن يكون ذلك كذلك؟ هل الكتاب الذي يعلن لنا الله يُعتبر ترفًا للبشرية يمكن الاستغناء عنه، أم أنه ضرورة حتمية لا غنى عنها كالماء والهواء؟! قال المسيح في رده على الشيطان أثناء التجربة في البرية، ما اقتبسه من سفر التثنية: "لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ" ( مت 4: 4 ؛ تث8: 3).
نعم، إن الإنسان المخلوق من الله لا يحتاج إلى الخبز فحسب، بل إلى كلام الله أيضًا. وما كان يمكن مطلقًا أن يترك الله البشرية تتخبط في دياجير الظلام والجهل قرونًا بدون إعلان منه، فبدون إعلان الله نمسي في ظلمة حالكـة.