عبَّر داود عما كان يجيش بصدره من أحزان قائلاً: "يَا رَبُّ، أَمَامَكَ كُلُّ تَأَوُّهِي، وَتَنَهُّدِي لَيْسَ بِمَسْتُورٍ عَنْكَ" ( مز 38: 9 ). وهوذا المُختبرون يخاطبون الله قائلين: "تَأَوُّهَ الْوُدَعَاءِ قَدْ سَمِعْتَ يَا رَبُّ. تُثَبِّتُ قُلُوبَهُمْ. تُمِيلُ أُذْنَكَ" ( مز 10: 17 ). ولكننا نتساءل: "لماذا البؤس والمسكنة؟" إن الإجابة واضحة وضوح الشمس من الآية موضوع تأملنا: "فَيَتَوَكَّلُونَ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ".
كُتِبت نبوة صفنيا قبل السبي البابلي، وموضوعها هو يوم الرب، وفيها نقرأ عن القضاء الذي كان وشيكًا أن ينصَّب على أورشليم آن السبي، وعلى أورشليم أيضًا والشعوب الأممية، التي أظهرت عداوة للرب ولشعبه، مستقبلاً في يوم الرب، ثم نقرأ عن الوعود والبركات المستقبلية التي للبقية الأمينة من شعب الرب.
لكن هذه الآية موضوع تأملنا، أَ هي لغة الوعد، أم الوعيد؟ أ تُعَّد ضمن مناظر القضاء، أم مناظر البركة المستقبلية؟ أؤكد لك يا عزيزي أنها لغة الوعد والبركة، لا لغة التهديد والوعيد، فكوننا نصل إلى حالة البؤس والمسكنة، فنتعلَّم كيف نتكل على الرب، فهذا منهاج وسبيل المُطمئنين الذين في مسكَنتهم يهتفون: "إِلَيْكَ يُسَلِّمُ الْمِسْكِينُ أَمْرَهُ. أَنْتَ صِرْتَ مُعِينَ الْيَتِيمِ" ( مز 10: 14 )، إن هذه الصفات، أقصد البؤس والمسكنة، اتصف بها سيدنا المعبود في اتضاع ناسوتهِ. أ لَم يُكتَب عن لسانه بالنبوة: "أَمَّا أَنَا فَمِسْكِينٌ وَبَائِسٌ. الرَّبُّ يَهْتَمُّ بِي. عَوْنِي وَمُنْقِذِي أَنْتَ. يَا إِلَهِي لاَ تُبْطِئ" ( مز 40: 17 )؟ أوََ لم يكن لسان حاله هو أيضًا كالإنسان: "وَأَيْضًا: أَنَا أَكُونُ مُتَوَكِّلاً عَلَيْهِ" ( عب 2: 13 )؟ فنحن "نُحْسَبُ مُسْتَأْهِلِينَ" أن نوصف بعين ما اتصف به السيد. فليتنا نرتضي ما يسمح لنا به الرب من بؤسٍ ومسكنةٍ، فنتعلَّم كيف نتكل عليه والوعد يملأ قلوبنا: "اَلْبَائِسُونَ وَالْمَسَاكِينُ طَالِبُونَ مَاءً وَلاَ يُوجَدُ. لِسَانُهُمْ مِنَ الْعَطَشِ قَدْ يَبِسَ. أَنَا الرَّبُّ أَسْتَجِيبُ لَهُمْ. أَنَا إِلَهَ إِسْرَائِيلَ لاَ أَتْرُكُهُمْ" ( إش 41: 17 ).