توجد فقط نفسان في الأناجيل أخبرهما الرب مَنْ هو بالحقيقة. في الأصحاح الرابع من يوحنا يُعلن نفسه للخاطئ المنبوذ والمطرود؛ المرأة السامرية. وفي الأصحاح التاسع من يوحنا يُعلن ذاته للقديس المنبوذ والمطرود؛ الإنسان الذي كان أعمى.
ربما تكون منبوذًا أخلاقيًا، أو مطرودًا كنسيًا، لكن إذا كنت لهذا السبب ظفرت برفقة المسيح، فهذا أمر مبارك جدًا. في يوحنا 9 يقول – له المجد – للإنسان الذي كان يسعى للشهادة له: «أ تؤمن بابن الله؟»، أجابَ ذاكَ وقال: «مَن هو يا سيد لأومن بهِ؟» - أي أنني أوَّد أن أؤمن به – فقالَ له يسوع: «قد رأيتَهُ، والذي يتكلَّم معكَ هو هو!». والنتيجة جميلة، لأن هذا الإنسان صار ساجدًا، حيث أجاب: «أُومن يا سيد! وسجدَ له» ( يو 9: 35 -38). إنني أعتقد أننا لا نبُاشر روح السجود الحقيقي إلا بعد أن نكون قد أُخرِجنا خارجًا لأجل خاطر المسيح، لذا لا يجب أن نخاف أن نُعاني الخجل أو العار لأجل اسمه «يسوع.. لكي يُقدِّس الشعب بدم نفسهِ، تألم خارج الباب. فلنخرج إذًا إليهِ خارج المحلة حاملين عارَهُ» ( عب 13: 12 ، 13).
وإذ أعلن الرب ذاته هكذا للمرأة، انفتحت عيناها تمامًا، والآن هي تترك جرَّتها التي هي رمز عنائها الأرضي «وعند ذلك جاء تلاميذُهُ، وكانوا يتعجَّبون أنه يتكلَّم مع امرأةٍ. ولكن لم يَقُل أحدٌ: ماذا تطلب؟ أو: لماذا تتكلَّم معها؟» ( يو 4: 27 ). هو كان يعرف، وكذلك هي، لذلك «تركت المرأة جرَّتها»، لأنها أخذت المسيح بدلاً من همومها ومن خطاياها أيضًا، ومضت ممتلئة بفرح لا يُنطَق به، وكانت رسالتها في المدينة: «هلمُّوا انظروا إنسانًا قالَ لي كل ما فعلت. أ لعلَّ هذا هو المسيح؟» (ع28، 29).
إنها إنسانة مُتغيرة مُتجدِّدة. ولا أظن أن أي رجل أو امرأة يمتلئ بنعمة الله التي قابلتني في خطاياي كما قابلتها في خطاياها، سوف لا يشتاق أن يُخبر كل إنسان آخر عن شخصه المبارك.
على كل حال تركت المرأة جَرَّتَهَا ومضت إلى المدينة، حيث كانت معروفة للجميع، وحيث كان الناس يسخَرون منها، وحيث لا تريد النساء أن يُرَون سائرات في نفس الطريق الذي تسير فيه، هناك نادَت: «هلمُّوا انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت» (ع29). أية ثقة كانت لها في شخصه المبارك! وأي روح بلا غش كانت فيها!