الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الجمعة 26 فبراير 2016 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
أعطوهم أنتم ليأكلوا
الْمَوْضِعُ خَلاَءٌ وَالْوَقْتُ مَضَى. اِصْرِفْهُمْ ... فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا ( مرقس 6: 35 - 37)
أخذت أشعة الشمس الغاربة تختفي عن أعين الجماهير، وتوقف المُخلِّص الحبيب عن حديثه المُعطي الحياة، وغمرت القلوب رجفة غريبة إذ أخذ الوقت يمضي، ولم يكن القوم قد هيأوا مطالبهم الطبيعية. على أن عبارة انفرجت عنها شفاه التلاميذ شقّت الفضاء الصامت: «الموضع خلاء والوقت مضى. اِصرفهم لكي يمضوا إلى الضياع والقرى حوالينا ويبتاعوا لهم خبزًا». وفيما قالوه نسوا أن مَنْ يتحدثون معه هكذا، ومَنْ كانت نعمته المتواضعة هي التي شجعتهم على مثل هذا الاقتحام الجريء، هو نفسه الذي في ملئه الإلهي كان قد أعلن بروح النبوَّة «مساكينها أشبع خبزًا» ( مز 132: 15 ). على أن الجواب السديد الكريم لم يكن سوى هذه العبارة الجليلة: «أعطوهم أنتم ليأكلوا».

أراد له المجد أن يُشرِكهم معه في إحدى خدمات محبته. وفي الحق، لقد كانوا دون مستوى الامتياز الممنوح لهم. لم يكن لهم القلب المُتسع للجموع الجائعة. كما لم تكن لهم دراية صحيحة بقلب المُعلِّم العظيم الذي منحهم ذلك الشرف. لقد روعهم منظر الجموع الغفيرة، وأذهَلهم مشهد الموضع الخلاء، وما فكَّروا إلا في ذواتهم، وفي الصعوبات التي بدَت غير ميسور مُغالبتها. أما مجده فلم يروه، وعجز إيمانهم عن الارتفاع إلى مستوى المهمة الموكولة إليهم. وكأني بذلك التساؤل القديم بعينه، الذي قدَّمه عدم الإيمان في تاريخ سالف، عاد ليكرِّر نفسه: «هل يقدر الله أن يرتب مائدة في البرية؟» ( مز 78: 19 ). لكن كانت كلمة الرب لهم: «أعطوهم أنتم ليأكلوا».

ومرة أخرى اعترضوا قائلين: «أ نمضي ونبتاع خبزًا بمئتي دينار ونُعطيهم ليأكلوا؟». وعجيب جدًا أن نرى نعمته التي تسَامت فوق جهلهم وعدم إيمانهم، ودفعتهم دفعًا في غمار خدمة كانوا متباطئين متخاذلين عنها. وهنا نجد الرب يسألهم: «كم رغيفًا عندكم؟ اذهبوا وانظروا». وسرعان ما أجابوه بعد البحث «خمسةٌ وسمكتان». وفي إنجيل آخر تُضاف هذه العبارة «ولكن ما هذا لمثل هؤلاء؟» ( يو 6: 9 ). ذلك هو عجز عدم الإيمان ولكن سيدنا لم يشأ أن يناقشهم، وإنما «أَمَرَهم أن يجعلوا الجميع يتكئون رفاقًا رفاقًا على العُشب الأخضر. فاتكأوا صفوفًا صفوفًا: مئة مئة وخمسين خمسين» (مر6). وبعد شُكره على الخبزات والسمكتين كسَّر وأعطى تلاميذه ليُقدِّموا إليهم.

آه .. ليتنا نتنبَّه أكثر إلى امتياز خدمة شعب الرب، وفي سعينا لتعظيم اسمه الكريم نستمد من قوته بطريقة تجعله، هو وحده، مصدر خدمتنا وقوتها.

بللت
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net