كثيرًا ما سمعنا بل والأكثر ما تقابلنا، مع مفاجآتِ الأيامِ والأزمانِ. ثم إن اللهِ أخبَرَنا به. ولكنَّ الدرسَ أيضًا مشروحٌ لذَوي الألبابِ ومُراقبي الأزمان! وأما في هذهِ المرةِ، فإني أُبشِّرُكَ يا قارئي، يا مَن تستند إلى كُليِّ القدرةِ؛ مَن هو جديرٌ بالاحتماءِ بِهِ، وفيه الإركان، فقد لاق بمُنتظريهِ، أن تسَعْ جُعَبُهم، لا لخيالٍ مُتَّسِعٍ وَهمي، بل للاستمتاعِ بمفاجآتِ الأمان!
ولماذا أُركِّبُ هذا المُسمَّى، فأسبقُ بالمفاجآتْ كلمةَ “الأمان؟”. لأن أوقاتِ الأمانِ هذهِ، تَلُفُّ الأتقياءَ وكأنها تَحُلُّ فجأةً، في ظروفٍ معاكِسةٍ، لم يكن مَن استطاعَ أن يتخيَّلها، فيُدلي قبلها البيان! فكيفَ يَحُلُّ بالأعداءِ وَعَرٌ، بينما يُبدِلُ بريةَ الأتقياءِ بُستان؟ لا تستكثِرُ .. لا تستكثِرُ يا أخي، فالذراعُ الرفيعةُ والقلبُ الحاني، يعملانِ معًا، ونتاجُ عملِ الكبيرِ كبيرٌ، وضعيفُ الإيمانِ قد يحسِبُهُ هذيان، وأما مفاجآت الأمانِ هذهِ، عديدةٌ بل وتُكتَبُ في سجلاتٍ طويلةٍ، تَحُفُّ بل وتملأُ طريقَ مَن يسيرونَ على سِنِّ صخرةٍ من جهةٍ وسِنِّ صخرةٍ من هناك، فهي مُدرَكةٌ لمَن يتَدرَّبونَ في طريقِ الإيمانِ.
هذهِ الآيةُ المذكورةُ أعلاه، تأتي بأوقاتِ الأمانِ فجأةً، في وَسَطِ مجموعةٍ من الأصحاحاتِ، تنطِقُ وتُصَوِّرُ مشاهِدَ الإرباكِ العام. فالاصحاحاتُ من (إشعياء 28- 35) في مجموعِها، تنطِقُ بوابِلِ القضاءِ والإرباكِ على كُلِّ الصُعُدِ. وأما في هذا الأصحاح (إشعياء 33) فنرى إرباكًا مُتفاقِمًا، فنقرأ في فاتِحتِه: «ويلٌ لكَ أيها المُخرِبُ وأنتَ لم تُخرَب، وأيها الناهبُ ولم ينهبوكَ ...» (ع1)، فنهبٌ وخرابٌ سَيَحُلَّ بالأعداءِ، ولكننا نفهَمُ ضِمنًا أن العدوَ، قد سَبَقَ فأخْرَبَ ونَهَبَ. ثم في العددِ الثاني، نقرأ عن طَلَبِ “الخلاصِ وقتَ الشدةِ”، ثم نقرأ عن “صوتِ الضجيج” (ع3)، وتستمِرُ الصورةُ على هذا المِنوِالِ، فنقرأ عن “نَوحِ وذبُولِ الأرض، عن خَجَلِ وتَلَفِ لبنان” (ع9)، ثم عن “حَبَلٍ بحشيشٍ وولادةِ القشيشِ، وعن نيرانِ أنفاسِ الأشرار التي ستُشعِلُهُم”، ثم عن “شعوبٍ تُحرَقُ بالنارِ” (ع12،11)، ثم عن “ارتعابِ الخطاةِ ورِعدةِ المُنافقين” (ع14) ولكن في وَسَطِ الإرباكِ العامِ هذا، إذ بنا نندَهِش من روعةِ الإعلانِ وما ترتَبَ عليهِ: «تعالى الربُّ لأنه ساكنٌ في العلاءِ. مَلأ صِهْيْونَ حقًا وعدلاً. فيكونُ أمانُ أوقاتِكَ وفرةَ خَلاصٍ وحكمةٍ ومعرِفةٍ. مخافةُ الربِّ هي كنزُهُ» ( إش 33: 5 ، 6).