تبدأ رسالة فيلبي بملء في الأصحاح الأول، وتنتهي بملء في الأصحاح الرابع. في البداية نقرأ عن مؤمنين مملوئين بأمور لمجد الله «مملوئين من ثمر البر الذي بيسوع المسيح، لمجد الله وحمدهِ» ( في 1: 11 ). وفي النهاية الله يُكرم الذين يُكرموه بملء كل احتياجهم «بحسبِ غناه في المجدِ في المسيح يسوع» ( في 4: 19 ).
لقد كان لمؤمني فيلبي احتياجهم الزمني العميق «أنه في اختبار ضيقة شديدة فاضَ وفور فرحهم وفقرهم العميق لغنى سخائهم» ( 2كو 8: 2 )، لكن لم يكن عندهم محبة للمال، فلم يهتموا بملء خزائنهم التي بعد أن تمتلئ قد يكتشفون أنهم يجمعون لكيس منقوب. ولم يهتموا بملء بطونهم، لأنهم قد يكتشفون أنهم يأكلون وليس إلى الشبع. ولم يهتموا بملء البيت من الأولاد وملء الحساب الخاص بهم بما يؤمِّن مستقبلهم، لأنهم يعلمون أنه قد تأتي عاصفة فتأخذ كل شيء. بل كان كل اهتمامهم إظهار ثمر الروح في حياة البر العملي، للدرجة التي صارت حياتهم مملوءة منه. وكان الغرض ليس لمجد ينالونه من الناس، بل «لمجدِ الله وحمدهِ». أي منظر يُشبِع قلب الله نظير هذا وهو يرى أولاده وهم وسط أُناس «مملوئين من كل إثمٍ وزنا وشر وطمع وخبث، مشحونين حسدًا وقتلاً وخصامًا ومكرًا وسوءًا» ( رو 1: 29 )، لكنهم مملوؤون بثمار شهية؟!
أمام عيِّنَة كهذه، هل يقف الله صامتًا ومكتوف اليدين؟ حاشاه، وهو المغبوط عنده العطاء أكثر من الأخذ. انه يتداخل لا ليسد الاحتياج فقط بل ليملأه، ليس بحسب تقديرنا بل بحسب غناه. لقد كتب الحكيم «أكرم الربَّ من مالك ومن كل باكورات غلَّتك، فتمتلئ خزائنك شِبعًا، وتفيض معاصِرك مِسطارًا» ( أم 3: 9 ، 10). والكتاب مليء بأمثلة نذكر منها: إبراهيم الذي لم يُمسِك ابنه الوحيد، وقدَّمه للرب، فأعطاه نسلاً كنجوم السماء وكرمل البحر (تك22). وأرملة صرفة التي قدَّمت كعكتها الصغيرة لرجل الله، فأعطاها كوار دقيق لا يفرغ، وكوز زيت لا ينقص (1مل17). لقد قال الرب مرة للشعب القديم: «هاتوا جميع العشور (ولم يطلب كل ما عندهم) .. وجرِّبوني بهذا، قال رب الجنود، إن كنت لا أفتح لكم كوَى السماوات، وأفيضُ عليكم بركَةً حتى لا تُوسَع» ( ملا 3: 10 ).
أحبائي: هل نحن مملوؤون من ثمر البر؟ ليساعدنا الرب لنكون هكذا، لمجده ولخير قطيعه.