الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الأحد 28 أغسطس 2016 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
صلاة لأجل الأعداء
يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ ( لوقا 23: 34 )
أما كان بوِسع ابن الله أن يجعل الأرض تفتح فاها وتبتلع أولئك الأشقياء أحياء؟! لقد كان - تبارك اسمه - موضع احتقارهم، وعلى أيديهم كان يتجرَّع من غُصص الألم ما نعجز عن وصفه، ومع ذلك ها هو يصلي قائلاً: «يا أبتاه، اغفر لهم»! فيا للنعمة الغافرة، والمحبة الغامرة! حقًا، مياهٌ كثيرة لم تستطع أن تُطفئ المحبة، والسيول لم تغمرها. إنها محبة من النوع الإلهي الذي يحتمل كل شيء، ويصبر على كل شيء. لو أننا لا نعرف شيئًا عن المسيح سوى هذه الصلاة الواحدة لرفعته فوق مستوى البشر، فإن سمُوَّها ونُبلها لا يصدران من إنسان عادى. وصاحبها لا يمكن إلا أن يكون عظيمًا، وابن العلي يُدعى!

إن أصعب شيء على الطبيعة البشرية هو الغفران. وطبيعتنا تجد في الانتقام من الأعداء ألَّذ الأطايب، وفي التشفي من المُسيئين شفاء من الغيظ. تفكَّر في شمشون مثلاً: لقد صلَّى هو أيضًا لله في آخر لحظاته، وصلَّى لأجل الأعداء. لكن ما أبعد الفارق بين صلاة شمشون، وصلاة ربنا يسوع المسيح! لقد طلب شمشون الانتقام من أعدائه بسبب عينيه، أما المسيح فطلب الغفران لصالبيه!

لكن دَعك من شمشون الذي طلب الانتقام من الفلسطينيين أعداء شعبه وأعداء الله، وتفكَّر في إرميا النبي الباكي رقيق القلب، واسمع بعضًا من أقواله عن شعبه: «وأنا كخروفٍ داجن يُسَاقُ إلى الذبح، ولم أعلم أنهم فكَّروا عليَّ أفكارًا قائلين: لنُهلِك الشجرة بثمرها، ونقطعه من أرض الأحياء، فلا يُذكَر بعد اسمُهُ. فيا رب الجنود، القاضي العدل، فاحص الكُلى والقلب، دعني أرى انتقامك منهم لأني لك كشفت دعوايَ» ( إر 11: 19 ، 20)، ثم يقول: «افرزهم كغنمٍ للذبح، وخصِّصهم ليوم القتل» ( إر 12: 3 ). وفي مناسبة أخرى يقول: «ليخزَ طارديَّ ولا أخزَ أنا. ليرتعبوا هم ولا أرتعب أنا. ِاِجلب عليهم يوم الشر واسحقهم سحقًا مُضاعفًا» ( إر 17: 18 ).

إن المسيح من فوق الصليب لم يعمل معجزات، لكن صلاته هذه هي أروع من أعظم المعجزات التي ميَّزت طريقه وسط هذا العالم البائس: أن يغطي رؤوس قاتليه الفجار بغطاء غفرانه، ليحميهم من عاصفة غضب الإله العادل! هذا هو الإنسان الكامل الفريد. فعندما اسوَدَّت أمامه صفحة الحياة تمامًا، تحوَّل إلى الله، مخاطبًا إياه: «يا أبتاهُ»، ثم عندما تلاطمت فوق رأسه أمواج الظلم من معذّبيه قال: «يا أبتاهُ، اغفِر لهم»!

يوسف رياض
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net