الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الخميس 2 فبراير 2017 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
يوسف الشاب الحديدي
«فأمسَكَتُهُ بثوبهِ قائلةً: اضطجع معي! فترَكَ ثوبَهُ في يدِها وهربَ» ( تكوين 39: 12 )
إن مَنْ يألف العيش مع الله، ويُطيعه في كل الظروف والأحوال، يستطيع أن يكون مُتصلاً به ومُطيعًا له في أقسى التجارب، لأن إخضاع القلب لله والشركة العميقة معه، قبل مواجهة التجربة، يجعل الانتصار عليها سهلاً ميسورًا. فلو كان يوسف يحيا بعيدًا عن الله، لاستعذَب صوت الخطية، ولكانت قد استهوَته واستحوَزت على قلبه، ولكانت أيضًا قد أعمَت بصيرته، فوجد المُبرِّرات والأعذار التي تُجيز له فعلها في هذه الآونة. فقد كان في عنفوان الشباب، ولم يكن هو الذي يسعى وراء هذه المرأة، بل هي التي كانت تسعى إليه. فضلاً عن ذلك كان عبدًا لديها يجب عليه تلبية ندائها لكي ينال عطفها ورضاها، ويتجنب ما يمكن أن تُقابله به من إهانة واضطهاد.

لكن وجود يوسف في حضرة العَلي، هو الذي حفظ ضميره في حالة الصحـو، وعقله في حالة اليقظة، وقلبه في حالة الطُهر، ونفسه في حالة الورَع، ففضَّل أن يُهَان من هذه المرأة على أن يُسيء إلى الله، وأن يُقتل بيدها الأثيمة على أن يُقتل أدبيًا وينفصل عن الله. فضلاً عن ذلك لم يكن يُضيره أن تحكم عليه بالقتل، فقد سبق وقتل أهواءه. وقتلْ الأهواء أقسى من قتل الجسد بما لا يُقاس. ومن ثم أعرَض عن المرأة المذكورة، وانتهرها بكل شهامة وجرأة. وحقًا «فخرُ الشبَّان قوَّتهم» ( أم 20: 29 )، وقوتهم الأدبية قبل كل شيء آخر.

كما أنه عندما تجرَّأت هذه المرأة ومدَّت إليه يدها الأثيمة لتُرغمه على تلبية ندائها، عزف عنها ووجد في الله الذي كان يعيش معه قوة أطلقت ساقيه للريح، فركض بكل سرعة من محضرها الدَّنِس، لكي يظل في جو القداسة الذي تهنأ فيه نفسه وتستريح. ولمَّا ركضت وراءه بعد ذلك، وأمسَكَت بثوبه لتمنعه من الهرَب، نزع نفسه منه وتركه لها، غير عابئ بما تدَّعيه عليه فيما بعد، إذ كان يكفيه أن يكون طاهرًا في نظر الله. فضرب بذلك للشباب في كل الأجيال أعظم مثال للعفة والطهارة. ولا شك أن الله قد تطلَّع في هذه اللحظة إلى يوسف وابتهج بما فعله كل الابتهاج، ومن ثم كافأه في الوقت المناسب بأجلّ مُكافأة، إذ جعله حاكمًا في أرض مصر. ولا يكون حاكمًا بين البشر بالمعنى الصحيح، إلا مَنْ حكم أولاً على أهوائه ونزواته.

كُنْ حارسي من الضلالْ والقلبَ قدِّس والفِعالْ
كن مرشدي في كل حال حتى أرى يسوع

عوض سمعان
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net