إن سيدنا الناطق بهذه الأقوال، يعرف جيدًا النتائج العادلة لسياسة الله وما ينطوي عليها من بركة، لا يشوبها ذرَّة من الكَدَر. فإذا كان على المسيح أن يواجه الموت، فهو فعل ذلك في طريق الطاعة لله، والمحبة والبركة للإنسان. وإذا كان المسيح في هذه الطريق وجد أمامه الموت، ”موت الصليب“، فإن مجد الآب اقتضى قيامة القدوس التقي من الموت، لذلك نسمعه يقول: «فرح قلبي وتهلَّل لساني، جسدي أيضًا يسكن مُطمئنًا. لأنك لن تترك نفسي في الهاوية، ولن تَدَع تقيك يرى فسادًا».
حقًا واحد فقط هو الذي تسنَّى له أن يقوم من الموت على هذا الأساس، هو ذاك المجيد الكامل، الذي مات ليس لخطية فيه أو خطية فعلها، بل في نعمته السامية التي لا مثيل لها، مضى إلى الصليب وإلى القبر، هذا القدوس البار نراه في أيام جسده ”قدَّم بصراخٍ شديد ودموع، طلبات وتضرعــات للقادر أن يُخلِّصَهُ من الموت، وسُمِعَ له من أجل تقواه. مع كونهِ ابنًا تعلَّم الطاعة ممَّا تألم به، وإذا كُمِّل صار لجميع الذين يُطيعونه سبب خلاص أبدي» ( عب 5: 7 - 9). هكذا كُمِّل رئيس خلاصنا، مع أن شخصه كان أبدًا كاملاً. صحيح إننا في هذا المزمور لا نرى النزول إلى الموت لأجل عمل كفاري، بل نراه كجزء من طريق دفعَته محبته لقديسيه على دخوله، وانتهى به إلى سبيل الحياة. سبيل وطأَهُ كسابقٍ لأجلنا، وكَمُمثلنا، وكقائد المفديين. إنه وحده الذي تم فيه القول: «في طريق العدل. أتمشى، في وسط سُبُل الحق، فأورِّث مُحبيَّ رزقًا وأملأ خزائنهم».
إن سبيل الحياة هي التي تنتهي بنا إلى الله. لأن الحياة في حقيقتها لا يمكن التمتع بها، إلا حيثما يوجد الله مصدرها. وسبيلنا إلى هذه الحياة باب فتحَهُ لنا المسيح بالموت، ذاك الذي اجتاز الموت وأباده، وأنار لنا الحياة والخلود بواسطة الإنجيل.