دائمًا ما يكون الرب الأقرَب إلينا حينما تكون الحاجة الأّمَّس هي إليه. لقد كان إلى جوار السفينة التي تقل تلاميذه التاعبين في مواجهة عاصفة هوجاء، وهو مجهول لديهم، أو على غير انتظار منهم. فلا نقرأ مثلاً أنهم صلُّوا ليحضـر إليهم. وضيقتنا تقوده إلى المجيء ليكون إلى جوارنا في أحرج اللحظات. وعندما أُحسّ بانزعاجه عليَّ، واهتمامه المُترفق بي، حينئذٍ أقبله في السفينة؛ أقبله في ظروفي، وهو نفسه يتداخل فيها. عندما أُدركه، فهو يُقبِل إلى ظروفي، والنتيجة المُذهلة: «صَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ».
«رَآهُم مُعَذَّبِينَ فِي الجَذفِ .. أَتَاهُم». كان يجب أن يستنفدوا كل مجهوداتهم بغية الوصول إلى مرفأ آمن، قبل أن يَصل إليهم يسوع. وعندما فرغت كل قوتهم، وفشلت مهارتهم كبحارة مُتمرِّسين، جاء إليهم يسوع. عندما ألقوا مجاديفهم جانبًا، وكفوا عن الصـراع، جاء إليهم يسوع، ليدخل سفينتهم، وليجتاز معهم ظروفهم؛ يسكب عليهم سلامه، ويُقاسمهم إيَّاه، وليقودهم إلى هدوء عظيم.
وهكذا الحال اليوم، فإن محبته تستحضـره سريعًا ليُريحنا، ليس بالضـرورة تتغيَّر الظروف، ولكنه يُغيِّرنا نحن، ويُهدئ روعنا بحضوره، ويُصيِّرنا أعظم من منتـصرين بواسطة محبته. ولكن كثيرين من القديسين يفتقدون ذلك! لماذا؟ لأنهم يُصرُّون على التجديف تاعبين؛ يُصـرُّون على مُجابهة تجاربهم بقوتهم الخاصة، ومن ثم يَرزَحون - باعتبارهم آنية خزفية – تحت حِمل الخوف من الأمواج المُزبدة، ومن رب هذه الأمواج آتيًا إليهم عليها (ع49). ولكن مُعاناتهم أتَاحت له الفرصة ليتدخـل. وعندما أُعدموا القوة، صار هو قوَّتهم. وقد نالوا ذلك عند شعورهم بقربه منهم، وهذا غيَّر الموقف برمّته: «فَلِلوَقتِ كَلَّمَهُم وقَالَ لَهُم: ثِقُوا. أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا» (ع50). وكان ذلك كافيًا لهم، كما هو كافٍ لنا الآن. فشفيعنا العظيم يُصلِّي لأجلنا، ويرانا، ولا يتوانى عن المجيء إلينا. وهكذا فإننا به ومن خلاله يمكن أن نُصبح أعظم من مُنتصرين، وذلك لأننا نعلم أن لا شيء يُمكن أن يفصلنا عن محبته ( رو 8: 35 )، ولأن الذين خلَصوا بدمهِ، سيخلصون بحياته ( رو 5: 10 ). نعم، ولئن كنا نعبر وادي ظل الموت، إلا أننا نثق فيه ولا نتذمر عليه، بل نعبر رافعي الرأس منتصـرين، لأنه موجود حيثما تحلّ أعظم تجربة، وسيظل هنا حتى نهايتها. إنه رئيس الكهنة العظيم، والشفيع، وقائد خاصته، الذي يُنادي: «لاَ أُهمِلُكَ وَلاَ أَترُكُكَ» ( عب 13: 5 ).