الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الأحد 18 نوفمبر 2018 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
محرَقة وذبيحة خطيَّة
«الكَأسُ الَّتِي أَعطَانِي الآبُ أَلاَ أَشرَبُهَا ؟» ( يوحنا 18: 11 )
في تقديم المسيح نفسه لله إنما فعل ذلك من مَحض اختياره ورضاه، بحيث كان طعام المسيح وشرابه أن يفعل مشيئة الله مهما كلَّفه ذلك، والكأس التي كان يعطيه الآب أن يشـربها لم يستعفِ منها قط، ولا كان يبحث فيما تَحويه ما دام يتناولها من يد الآب. وكان يكفيه أن يتحقق أن تلك الكأس قد مزَجها له الآب. هذا هو وصف ربنا يسوع كما تُشير إليه المُحرَقَة.

أما في ذبيحة الخطية فنرى صورة أخرى، لأننا في هذا الرمز نشاهـد المسيح، لا كمَن أكمَلَ العمل الذي أعطاه الآب ليُكمله مُتمِّمًا مشيئة الله، بل كمَن حَمَل تلك الخطية الفظيعة، واحتمل في نفسه كل نتائجها المُريعة، وذاق مرارتها، بل تجرَّع غصتها لا سيما حين حَجَب الله وجهه عنه بسببها.

وهذه المُباينة التي نشاهدهـا في الرمزين تُفسِّر لنا بل توفق بين جملتين متناقضتين في ظاهرهما نطَقَ بهما ربنا يسوع. إذ قال مرة: «الكَأسُ التِي أَعطَانِي الآبُ أَلاَ أَشرَبُهَا؟» ( يو 18: 11 )، وفي مرة أخرى قال أيضًا: «يَا أَبَتاهُ، إِن شِئتَ أَن تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الكَأْسَ» ( لو 22: 42 ). أما الجملة الأولى فإنها توافق الغرض الذي جاء لأجله، وكان أمامه دائمًا، أعني به «هنَذا أَجِيءُ لأَفعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ»، وهي أيضًا لسان حال ”المُحرقة“. أما الجملة الثانية فقد نطَق بها الرب بصفته ذبيحة خطية، حين تطلَّع إلى المركز الذي كان مُزمعًا أن يشغَلَهُ كحامل الخطية.

ومن المهم أن نعرف الفرق بين الذبيحتين، إذ بينما نشاهد في المُحرَقَة رضى المسيح واستعداده الكامل لتقديم نفسه لله عن طيب خاطر، حُبًا في إتمام مشيئته تعالى. إلا أننا نراه في ذبيحة الخطية يُقدِّر نتائج تحمُّلِه خطية الإنسان، ويُقدِم على ذلك المركز وهو شاعـر بحرجه، عارف بالبُعد الساحـق الذي أصبح بين الإنسان وخالقه. وبما أن سروره كان في الله وفرحه في عمل مشيئته تعالى، فقد استصعَب أن يحجب الله وجهه عنه ولو لحظة من الزمان، فلا يتمتع بضياء طلَعته. هذان الاعتباران يختلفان عن بعضهما اختلافًا بيِّنًا بحيث يستحيل الجمع بينهما في ذبيحة واحدة، إذ كان يلزم ترتيب ذبيحة تُشير إلى المسيح مسرورًا بأن يفعل مشيئة الله، وذبيحة أخرى تُمثله مُستنكفًا أن يحمل في طبيعته القدوسة نتائج الخطية. ولكن تبارك اسم إلهنا فإن لنا الآن في المسيح هذا وذاك، فهو ذبيحة مُحرَقَة من وجه، وذبيحة خطية من وجه آخر.

ماكنتوش
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net