الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الأحد 23 ديسمبر 2018 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
أُمَّةٌ تنتحر!
«فَـأَجَـابَ جَمِيعُ الشَّعبِ وقالوا: دَمُهُ عَلَينا وَعَلَى أَولاَدِنا» ( متى 27: 25 )
يا لها من كلمة خطيرة: «جَمِيعُ الشَّعبِ»! فليس فقط القادة أسلَموا المسيح حسَدًا، ولكن هذا قرار الشعب بأسره. لقد حاول السفاح هيرودس في البداية قتله فلم ينجح، وأما قادة الأُمة الذين كانوا في البداية على الحياد من مَولد المسيح العظيم فهم الذين تحمَّلوا وَزر مقتله، وَجَرُّوا وراءهم كل الشعب الجاهل الأعمى. وإن كان هيرودس الكبير سيقف أمام الله ويُحاسبه على دم الصبيان الصغار، فهؤلاء جُرمهم أكبر، إذ هو دم القدوس البار.

إن التاريخ الوضعي يُسجِّـل لنا أن بيلاطس أنهى حياته مُنتحرًا، والتاريخ المقدس يقول: إن يهوذا أنهى حياته مُنتحرًا، وهكذا هذه الأُمَّة الغبية التي أنكرت سيدها وملكها وفاديها، هي أيضًا انتحرَت يوم احتقرت قدوس الله، ابن الله، مسيح الله، حَمَل الله. يوم قالوا: «لَيسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيصَرَ!»، ويوم قالوا: «دَمُهُ عَلَينَا وَعَلَى أَولاَدِنَا». ومن وقتها جرى وما زال يجري، على تلك الأُمة، ما لم يجرِ على أيةِ أُمةٍ أخرى تحت السماء!

لقد صلَّى المسيح وهو على الصليب لأجل هذا الشعب الضال ( لو 23: 34 )، وبناء على صلاته تأنَّى الله على اليهود 40 سنة، لعلَّهم يتوبون، دون جدوى. وسيكون دم المسيح دائمًا على أبناء هذا الشعب، حتى يأتي ذلك اليوم الذي فيه سينظرون إلى الذي طعنوه، وينوحون عليه، ويتوبون؛ عندئذ ستُغفر لهم خطيتهم على أساس ذاك الدم المسفوك عينه.

إن يهوذا التَعس الذي أسلم سيده بقُبلة الخيانة، ردّ الفضة وعلى فمه عبارة «قَد أَخْطَأْتُ إِذ سَلَّمتُ دَمًا بَرِيئًا». أما بيلاطس الذي أصدر الحكم فعلاً فلم يَقُل أخطأت، بل يا للعجب إذ يقول: «إِنِّي بَرِيءٌ مِن دَمِ هَذَا البَارِّ!». لكن أسوأ من كليهما كان قادة تلك الأُمة، الضالعون في الجريمة، فهم لم يعترفوا كيهوذا بأنهم أخطأوا، ولا كبيلاطس بأنهم يقتلون البار بلا سبب، بل في وقاحة لا يُحسَدون عليها قالوا: «دَمُهُ عَلَينَا وَعَلَى أَولاَدِنَا».

والضمير مع أنه بركة عظمى من الله، ولكنه وحده لا يكفي، فقد يُفْسِده الإنسان بتغذيته بمعلومات خاطئة، ولا سيما لو كانت لها صبغة دينية. وفي هذه الحالة يظن مَن يرتكب أبشع الجرائم أنه يُقَدِّم خدمة لله ( يو 16: 2 ). وكما يُقال: ”أيتها الحرية: كم من الجرائم تُرْتَكَب باسمك!“، يمكننا على القياس ذاته، أن نقول، من وحي الجلجثة: ”أيها الدين، كم من الجرائم تُرْتَكَب باسمك!“.

يوسف رياض
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net