الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الثلاثاء 26 يونيو 2018 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
مَن وكَّلَهُ بالأرضِ؟
«مَنْ وَكَّلَـهُ بِالأرْضِ، وَمَنْ صَنعَ الْمَسْكُونـةَ كُلَّهَا؟» ( أيوب 34: 13 )
في أيوب 34: 13 نقرأ سؤالًا استنكاريًا، لإبراز محبةِ اللهِ للأرضِ، بل بالأحرى للساكنين عليها، فنسمع: «مَنْ وَكَّلَهُ (أي وكَّلَ الله) بِالأَرْضِ؟». والإجابة: لا أحد. فلم يوكِّل أحدٌ اللهَ بخلق الأرضِ، ولكنه خلقها وصنع المسكونةَ كلَّها. فَحُبًّا في الساكنين عليها، خلقهم واضعًا فيهم روحَهُ ونسمَتَهُ ( تك 2: 7 )، دون وصيةٍ أو توكيلٍ. ورغبًة في راحتِهم الآنية، أبدَع لهم الأرضَ وأتقنها بالحكمةِ ( عب 11: 2 ).

وماذا عن المستقبل؟ وماذا عن الرجاء؟ أ بَعْدَ الرغبةِ والإتقانِ والتجديدِ، يُنتَظَر أن نرى الأنانيةَ والإهمالَ والانقلاب الشديد؟ وهذا ما تُجيب عنه العبارةُ التالية: «إِنْ جَعَلَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ، إِنْ جَمَعَ إِلَى نَفْسِهِ رُوحَهُ وَنَسَمَتَهُ» (ع14)؛ أي إن اتصف الله بالأنانية وحاشا، ولم يفكِّر إلا في نفسِهِ، واكتفى بدائرة الوجود الإلهي، وأراد أن يستردَّ ما لَهُ مِن دواخلِ دائرةِ الوجودِ الإنساني، لحدَثت نكبةٌ كونيةٌ جامعةٌ، وما أَفلَتَ منها مُنفلتٌ، واضطرَّ كُلُّ إنسانٍ وكُلُّ بشرٍ جميعًا أن يُسلِّمَ للهِ ما للهِ، فأخذَ اللهُ روحَهُ ونسمَتَهُ، ولعاد الإنسانُ إلى الترابِ وما كان هناك له رجاء، ويفرضَ السؤالُ نفسَه على الفهماءِ وذوي الألبابِ العقلاءِ: ”ما قيمةُ ما نَعِمَ به الإنسانُ هنيهةً ثم آبَ هكذا هدرًا وهباءً؟“.

وممَّا سبقَ، نفهم عدم منطقية فناءِ رجاءِ الإنسان بموتِهِ. كلَّا بل هو رجاءٌ في المسيح في هذه الحياةِ وما بعدها.

وهل كان أيوبُ نفسُه لديه هذه الفكرةُ، ولو في نطاقِ معرفةِ أتقياءِ العهد القديم؟ إنه كان يعلَمُ وبتفصيلاتٍ ليست قليلة. فنسمعه يقول: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ، وَالآخِرَ (وأخيرًا) عَلَى الأَرْضِ يَقُومُ» ( أي 19: 25 ). وفي هذا، كأننا نقرأ عن ملكوت المسيح على الأرض، ساعتئذ، تصير ممالِكُ العالمِ لربِّنا ومسيحِهِ ( رؤ 11: 15 )، «وَالآخِرَ عَلَى الأَرْضِ يَقُومُ». «وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي (بدون جسدي هذا، أي بجسدٍ آخر) أَرَى اللهَ» ( أي 19: 26 ). وفي هذا كأننا نقرأ عن جسمٍ حيوانيٌّ وجسمٍ روحانيٌ ( 1كو 15: 44 ). ثم يستطرد قائلاً: «الَّذِي أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي، وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذَلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي جَوْفِي» ( أي 19: 27 ). وفي هذا نقرأ عن شوقٍ مستعِرٍ مَلأَ حضنَ أيوب. وها بولسُ بالرجاءِ الذي بعد هذه الحياةِ في المسيح يهتفُ: «لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا» ( في 1: 23 ).

بطرس نبيل
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net