الأصحاح الثالث عشر من الرسالة الأولى إلى كنيسة كورنثوس، وهو ”أصحاح المحبة العظيم“، قد اختُير له مكانه بحكمة وبدقة تشهدان للوحي الإلهي بين صفحات المكتوب.
يعالج الرسول بولس أخطاء في الكنيسة، ويوبِّخ تشويشات حصلت فيها، ويُقدِّم صورة جميلة لحُسن استخدام المواهب لأجل بنيانها، وذلك في الأصحاحات الحادي عشر، والثاني عشر، والرابع عشر، فلماذا يقطع حديثه ويضع فصلاً مُعترضًا هو الأصحاح الثالث عشر، ثم يواصل كلامه في موضوعـه في الأصحاح الرابع عشر الذي يستعرض فيه المواهب الروحية؟
لماذا يقطع حديثه ليتكلَّم عن المحبة؟
ألا ترى هذا شبيهًا بعمل الله في تكوين الجسد الإنساني؟ إنه بحكمةٍ سَمَت ركَّب الجسم الإنساني من أعضاء، وربطها برُبط عند المفاصل، وهناك رتَّبت الحكمة الخالقة ”عملية تشحيم“ حيث يحدث الاحتكاك بين هذه الأعضاء. فبعض هذه الأعضاء ثابت، لكنه عند المفصل قد يلتقي بعضو يتحرَّك حركة دائرية أو حركة إلى الأمام فقط أو حركة إلى الخلف فقط .. الخ.
هناك عند التقاء الأعضاء بعضها ببعض، عند المفاصل خلَق الله مادة زيتية ليِّنة تجعل الاحتكاك مُثمرًا لا مُوجعًا، وسهلاً لا صعبًا .. هكذا الروح القدس وضع ”زيتًا مُليِّنًا“ - زيت المحبة الرقيقة، المحبة اللطيفة، عند المفاصل الروحية في الكنيسة، حيث يحصل عادةً ”الاحتكاك“ بين الموهوبين والخادمين والمخدومين. إن ممارسة كل عضو في الجسد لمواهبه التي جعلها الله لأجل خدمة سائر الجسد، تحتاج إلى ممارسة المحبة لباقي الأعضاء، والحرص على ممارستها لشدة لزومها للخير والبنيان.