الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الأحد 15 ديسمبر 2019 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
المسيح والمعمدان
«هُوَذا حَمَلُ اللَّهِ الذِي يَرفَعُ خطِيَّةَ العَالَمِ!» ( يوحنا 1: 29 )
كانت هناك أوجه شبَه كثيرة بين حياة كل مِن المعمدان والرب يسوع. فقد أُعلن عن ميلادهما وتُنبئ عن خدمتهما في ظروف خاصة. كانت المُطوَّبة مريم عذراء، وكانت أليصابات قد تجاوزت السن، وجاء إلى كل منهما ملاك الرب. كان المسيح والمعمدان مُتماثلين في أنهما لم يدخلا مدارس الأنبياء، ولم يندمجا في أي حزب من أحزاب اليهود، لم يتتلمذ أي منهما عند مُعلَّم للناموس، لم يتخذا أي وظائف رسمية، ووقفا بعيدين عن الفريسيين والصدوقيين والهيرودسيين. لقد لفتا الأنظار بجاذبية خاصة، والتف حولهما الجموع بكيفية مُماثلة، ووبخا الشعب على نفس الخطايا، ودعا كل منهما الناس لترك الشكليات والرياء، واتباع البر والحق. وقوبل كل منهما بحقد وكراهية القادة الدينيين. وخُتمت حياتهما بموت شنيع؛ الواحد بطش به السيف في السجن، والآخر – تبارك اسمه – رُفع على الصليب. ومات كل منهما عندما كانا لا يزالان في عنفوان الشباب، وعندما كانت لحياتهما رائحة زكية، والتف حول جسديهما حفنة من اتباعهما الأُمناء.

لكن إلى هنا تنتهي أوجه الشبه وتبدأ أوجه الخلاف. فإن موت يوحنا كان نهاية حياة نافعة عظيمة. عندما مات قال الناس: ”يا للأسف! لقد خمدَ صوت النبي. لقد بطش به الظالم، ليرقد في التراب. سوف تكون الراحة حلوة لذاك الذي أنهَك قوى شبابه بمنتهى الإسراف. إن أمثال هذا الرَجُل نادرون، يندر أن يجود الزمان بمثله“.

لكن عندما نلتفت إلى موت المسيح، يتملَّكنا شعور آخر غير شعور التأسف والإشفاق. إننا لا نرى قط في موتهِ نهاية لعمله، بل بالعكس نرى بداية له. لقد وقعت حبة الحنطة في الأرض لتموت، لكيلا تبقى وحدها، بل لتأتي بثمر كثير ( يو 12: 24 ). هنا نرى في الصليب مُلتقى مياه كثيرة تنبع من أعماق لا يمكن أن يُسبر غورها، وهي لشفاء البشـر. هنا نرى الذبيحة الكافية تُقدَّم، وهي التي تُكفر عن خطية الإنسان، وتمنح السلام لربوات التائبين. هنا نرى آدم الأخير على شجرة يُبطل العمل المُميت الذي أتمَّه آدم الأول عند شجرة أخرى في جنة عدن. ليس هذا موت شهيد، بل ذبيحة سبق أن دُبِرت وأُعِدت، وقد ظهرت نتائجها فعلاً في مغفرة خطايا السالفين ( رو 3: 25 )، وتنظر إليها عشـرات الأجيال اللاحقة. لم يُحدد موت يوحنا المعمدان إلا مصيره، أما موت المسيح فقد حدَّد مصير جنسنا، فهو «حَمَلُ اللَّهِ الذي يرفَعُ خطيَّةَ العالَمِ!» ( يو 1: 29 )، «والرَّبُّ وضعَ عليهِ إثمَ جميعِنا» ( إش 53: 6 ).

ف. ب. ماير
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net