الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الخميس 18 يوليو 2019 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
مردخاي والمسيح
«مُردَخايُ ... شَقَّ .. ثيَابَهُ ولَبِسَ مِسحًا بِرَمادٍ ... وصَرَخَ صَرخةً عَظِيمَةً مُرَّةً» ( أستير 4: 1 )
لم يتجاوز إسحاق أكثر من حُكم الموت. وداود تعيَّن للموت كل يوم تحت إرهاب العدو. ويونان ابتُلع حيًا في جوف الحوت، وخرج منه حيًا، بعد أن اجتاز الموت رمزيًا في مثال. ورأى مُردَخاي الخشبة ذات الخمسين ذراعًا في الارتفاع، ولكنه لم يُعلَّق عليها. وهكذا في مُردَخاي والكثير من الشخصيات الرمزية الأخرى يُمكننا أن نرى صورة للمسيح، أما المسيح فهو وحده الذي عُلِّق على الصليب ليحمل خطايانا، ويُصبح لعنة لأجلنا، ويجمع أبناء الله المُتفرقين إلى واحد، ويُصبح أيضًا مركز الجاذبية لكل الناس.

أما هذه الرموز فهي تشـرح بطريقة عجيبة أفكار الله، وتُعلن أعماقها. وبطريقة مختلفة تمامًا عن مُردَخاي، اجتاز المسيح ضيق إسرائيل في نفسه وهو في جثسيماني، تحت قضاء غضب الله، وبأكثر ممَّا فعل مُردَخاي. فقد صرخ المسيح ”صرخَةً عظيمَةً مُرَّةً“ للقَادرِ أن يُخَلِّصَ؛ يُخَلِّص هو نفسه، وكذلك يُخلّص شعبه من ظلمة الموت ( عب 5: 7 ). ولكن بخلاف مُردَخاي فإن علاقته المُباركة مع الله لم تتشوَّش على الإطلاق. وباستثناء فترة ثلاث ساعات الظلمة، كانت دائمًا علاقته بأبيه شاملة وكاملة. وحتى في جثسيماني قال يسوع: «يا أَبَتاهُ» ( لو 22: 42 )، عندما كان يجتاز مرارة الحزن، فقد عبَر ضيق شعبه قبلهم. وعلى الصليب قَبِلَ الترك في ساعات الظلمة «قالَ يَسُوع: يا أَبتاهُ، اغفر لَهُم» ( لو 23: 34 ). وبعد تلك الساعات قال: ««يَا أَبَتاهُ، في يدَيكَ أَستودِعُ رُوحي» ( لو 23: 46 ). وبالرغم من اجتيازه الضيق في أشد صوره في جثسيماني (مز102)، فقد اجتازه كالقدُّوس البريء، الذي لم يتنجس أبدًا، ولكنه وضع نفسه طواعية كالبديل عن شعبه، بينما بقية إسرائيل سوف تجتاز الضيقة العظيمة نتيجة خطاياهم الفردية والجماعية. فالضيق الأدبي في جثسيماني كان من نصيب شخص منفرد، ونبويًا جعل نفسه كالبديل بالنعمة، لأجل البقيَّة في المستقبل، لكي تتشجَّع البقيَّة، وتتعلَّم أن بديلهم قد تم خلاصه، وبالتالي أولئك الذين ارتبطوا به ينالون الخلاص. ولكن فضلاً عن ذلك، فقد تقرَّرت ضيقة إسرائيل بحسب طرق الله، لتُنشئ في الشعب التوبة. وقد بلغ إيمان مُردَخَاي هذه التوبة بالصوم وشق الثياب، ولبْس المسوح بالرماد. وإن كانت بلا شك قد تحققت بصورة محدودة، لأنه لم يكن يُمكنه أن ينسحب للحظة من مركز السخط الإلهي الذي وضع فيه نفسه مع أُمَّته، ولم يتجاسر أن يرفع صوته لله، كما فعل يسوع في جثسيماني.

هنري روسييه
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net