الإشارة الأولى عن السحابة، رمز حضور الروح القدس، تَرِد في خروج 13: 21، 22 حيث نقرأ عن ثلاث بركات ارتبطت بوجود السحابة مع الشعب:
أولاً: القيادة: «وكانَ الرَّبُّ يَسيرُ أَمامهُم نهَارًا في عَمُودِ سحَابٍ ليَهديَهُم في الطَّرِيقِ». وهذه القيادة ليست هي قيادة أعمال العناية الإلهية، فهذه يُمثلها قيادة الملاك، أما قيادة السحابة لهم فإنها تُمثل قيادة الرب بنفسه لهم؛ صورة لقيادة الروح القدس. فنحن الآن لنا أن نتمتع بإرشاد الروح القدس وقيادته «متى جاءَ ذاكَ، رُوحُ الحَقِّ، فهوَ يُرشِدُكم إِلَى جميعِ الحَقِّ» ( يو 16: 13 ). ومن الأهمية بمكان ملاحظة أن امتياز قيادة الروح القدس لنا لا ينصـرف فقط على العبادة، بل إنه يمتد أيضًا إلى ظروف الحياة العادية.
ثانيًا: الإضاءة: «وكانَ الرَّبُّ يَسِيرُ أَمامَهُم ... لَيلاً فِي عمُودِ نارٍ لِيُضـِيءَ لَهُم. لكي يمشُوا نهَارًا وليلاً». فكان ليلهم وسط البرية المُخيفة مُضيئًا. ويقول المسيح عن الروح القدس إنه: «يُرشدُكُم إِلى جميعِ الحقِّ، لأَنهُ لا يتكلَّمُ من نَفسه، بَل كلُّ ما يسمَعُ يتكلَّمُ بِه، ويُخبركُم بأُمورٍ آتيَة. ذاكَ يُمجِّدُنِي، لأَنهُ يأخُذُ مِمَّا لِي ويُخبركُم» ( يو 16: 13 ، 14). وكم هذا يُعزي المؤمن المنفرد، الذي في أماكن نائية، وليس معه إخوة يُشاركهم التعزية وتبادل الأفكار في كلمة الله. هذا الأخ قد يكون محرومًا من خدمة المُعلِّمين في كنيسة الله، لكنه مع ذلك ليس وحيدًا، بل هو يتمتع بخدمة أعظم الشارحين للكتاب المقدس قاطبة، وأعني به الروح القدس.
ثالثًا: المُلازمة: «لَم يَبرَح عَمودُ السَّحَابِ نهارًا وعَمودُ النارِ لَيلاً من أَمامِ الشَّعبِ». فنظرًا لأن السحابة كانت إحدى عطايا النعمة فإننا نلاحظ أنها لم تفارق الشعب قط طوال رحلتهم، وذلك رغم تذمراتهم الكثيرة وفشلهم وعدم استحقاقهم. نعم لقد امتلأت سنو البرية بالفشل، ومع ذلك «لَم يَزُل عنهُم عمُودُ السَّحَاب نهَارًا لهِدَايتهِم فِي الطَّريقِ، ولاَ عَمُودُ النارِ لَيلاً ليُضيءَ لَهُم..» ( نح 9: 19 ).
وهذا وذاك ينطبق أيضًا على عطية الروح القدس. فلقد قال المسيح لتلاميذه في خطاب العلّية الذي قاله في ليلة الوداع: «أَنا أَطلبُ من الآبِ فيُعطيكُم مُعَزِّيًا آخرَ ليَمكُثَ معكُم إِلى الأَبدِ» ( يو 14: 16 ). وكما لم يَزُل عمود السحاب عن الشعب طول رحلة البرية، هكذا لم يترك الروح القدس الكنيسة على الإطلاق، ولن يتركها، وذلك بموجب وعد الرب الصريح أنه يمكث معنا إلى الأبد ( يو 14: 16 ).