الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الثلاثاء 20 أغسطس 2019 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
خِفَّة الضيقة وثِقَل المَجد
«لأنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنا الوَقتِيَّةَ تنشِئُ لَنا أَكثَرَ فَأَكثرَ ثِقَلَ مَجدٍ أَبَدِيًّا» ( 2كورنثوس 4: 17 )
يا لها من صورة غير عادية وموحية تُقدّمها لنا الآيات 2كورنثوس 4: 11-18! فأمامنا الرسول بولس، ووراءه سنين من العمل الشاق الخطير، وهو لا يزال يواجه المتاعب والاضطهاد من الناس، ومرة بعد الأخرى يُسَلَّم إلى الموت، ويتدخل الله في معاملاته الرحيمة لينجّيه منه. ولكنه يتقدَّم للأمام بشجاعة لا تضعف، وضوء مستقبل القيامة المجيد يلمع أمام عينيه، ومع أن جسده يبلى وعلامات الفناء تظهر عليه، فإن روحه تتجدَّد يومًا فيومًا (ع16)، ولذلك فهو يتقدَّم بقوة روحية لا تضعف بل تتجدَّد وتزداد.

ولقد أحسّ الرسول بكل المتاعب التي اكتنفته، ولكنه لا يعطيها اهتمامًا باعتبارها ضيقة خفيفة. وهذه الضيقة ليست فقط ”خفيفة“، بل هي ”وقتيَّة“ (مؤقتة وليست دائمة). وفي حالة بولس، فقد استمرت من بعد تغييره بقليل، عندما تشاور اليهود في دمشق لقتله، إلى يوم استشهاده، وهي فترة تمتد ثلاثين سنة أو أكثر. هذه الفترة هي لحظات بالنسبة له، لأن فكره مُنشغل بالأبدية المجيدة. ويا لها من مفارقة عظيمة هنا! فالمجد الآتي ثقيل وليس خفيفًا، لأنه أبدي وليس وقتيًا، فهو في هذا فائق «أَكثرَ فأَكثرَ» (ع17). قد يبدو أنه كان يكفي أن يقول ”كثير”، ويبدو قوله « أَكثرَ فأَكثرَ» كنوع من التضخيم، ولكن بولس هنا ينتقي الكلمات، فهو فائق بشكل لا يُقارَن! لقد كان يعلَم هذا، لأنه قبل هذا بأربعة عشـر سنة أُخذ إلى السماء الثالثة وشاهد لمحات من هذا المجد. وهو يريدنا أن نعرفها نحن أيضًا.

وسر حياة الخدمة المباركة للرسول، موجود في الآية الأخيرة من الأصحاح «ونحنُ غَيرُ ناظرينَ إلى الأَشياء التي تُرى، بل إِلى التي لا تُرى. لأَنَّ التي تُرى وقتيّةٌ، وأَمَّا التي لا تُرى فأَبديَّةٌ» (ع18). والرؤية أو النظرة التي يتكلَّم عنها، هي بالطبع نظرة الإيمان. لقد كان الرسول يجتاز وسط ظروف ومشاهد الحياة، وهي مرئية بجلاء، ولكنه لم يكن ينظر إليها. فقد كان ينظر إلى الأشياء الأبدية؛ وهذه لا تراها العيون البشرية المائتة، وهنا يتكشف لنا بلا شك موطن الكثير من ضعفنا. فإيماننا ضعيف مثل بطرس عندما شرَع يمشـي على الماء ليصل إلى الرب يسوع. لقد نظر إلى المياه المضطربة وهي مَرئية بوضوح، وبدأ يغرق. ولكن إن كنا مثل بولس، نثبِّت أنظارنا على المسيح، وعلى القيامة، وعلى المجد، فإن قوة الله ترفعنا، ويتجدَّد الإنسان الداخل يومًا فيومًا.

ف. ب. هول
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net