الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الخميس 29 أغسطس 2019 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
الغني ولعازر
«الآنَ هُوَ يَتعَزَّى وَأَنتَ تتعَذبُ» ( لوقا 16: 25 )
لم يذكر الوحي شيئًا عن شر الغني، ولا عن صلاح لعازر، وإنما قيل إن الأول كان غنيًا، وكان يلبس لباسًا بهيًا، ويعيش مُترفهًا، والآخر كان بائسًا مُتسولاً وبلا مُعين – حسب الظاهر – لأنه كان مضـروبًا بالقروح، وكان يشتهي أن يأكل من الفُتات الساقط من مائدة الغني.

وواضح أن الغني لم يُحب جاره الفقير المسكين كنفسه، ما يطلب منه الناموس، ومع ذلك لا نجد في الحديث الذي جرى بين الغني وإبراهيم ذِكرًا لكسـر الشـريعة، بل كل ما ذكره إبراهيم أن الغني استوفى خيرات كثيرة في حياته، والآن يتعذب. والمسكين الذي استوفى البؤس والبلايا في حياته، الآن يتعزى. ولقد حاول البعض أن يبنوا على هذا تعليمًا مؤداه أن المكافأة في المستقبل ستكون لأولئك الفقراء التعساء في الزمان الحاضر. ولسنا في حاجة إلى القول بأن هذا التعليم زائف، ولا أثر له في الكتاب المقدس. لكن الوحي صريح في مواضع كثيرة من جهة المبادئ التي يتوقف عليها شقاء الإنسان أو سعادته. فقد قيل بصـراحة «مَن آمنَ واعتمَدَ خلَص، ومَن لَم يُؤمن يُدَن» ( مر 16: 16 ).

لذلك واضح أن الرب لم يقصد بهذه الأقوال وضع المبادئ التي يتوقف عليها مصيرنا في المستقبل، وإنما قصدَ بها إيضاح حقيقة أن الغِنى المادي في الزمان الحاضر ليس هو بالبركة الثابتة اليقينية، ولا الفقر هو اللعنة الدائمة الأبدية. لأن الغني – في عدم إيمانه – استقر مقامه في محل العذاب، والفقير في موضع البركة. كذلك قصد الرب إيضاح حقيقة خلود النفس بعد الموت، وأن وراء القبر حياة للأشرار يتجرَّعون فيها نتيجة شرهم، وحياة للأبرار يتذوَّقون فيها نتيجة برّهم.

من أجل ذلك كان لزامًا لنا أن نتعلَّم درسًا هامًا كهذا حتى ندرك أن الغنى ليس من العلامات الدالة على رضى الله عن الأغنياء في جميع الأحوال، ولا الفقر من العلامات الدالة على عدم رضاه عن الفقراء في كل الأحوال.

أَ يمكن أن نتصوَّر حالة تستدعي الحزن والشفقة أكثر من هذه أن الغني المُعجَب بثروته، والمتكّل على آدابه الحسنة، يُدعى بغتةً إلى محل العذاب، هناك يقضـي أبدية كلها عذاب وحسـرة، بإدراك كامل ووعي كامل؟ وبين هذه الأبدية التعيسة والأبدية البهيجة التي يدخلها المؤمنون، هوَّة عظيمة قد أُثبتت، حتى إن العبور بين هاتين الحالتين مستحيل، بل مجرَّد إرسال المساعدة أو ظل النجدة، مستحيل. ويا لهول ذلك الشقاء!

ماكنتوش
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net