الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الأحد 4 أغسطس 2019 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
مِسكين يسكُب شكوَاه
خرَّ علَى وَجهِهِ، وكَانَ يُصلِّي قَائِلاً: يَا أَبَتاهُ، إِن أَمكَنَ فَلتعبُر عني هَذِهِ الكأْسُ» ( متى 26: 39 )
كانت ظلال موت مثل الذي كان ينتظره الرب، مؤلمة جدًا لنفسه النبيلة، لدرجة أنه ترك رفاقه الثلاثة وذهب أبعد، ليُقدِّم لأبيه الصلاة التي لا يقدر أحد أن يشاركه فيها، لأنه مَن يستطيع أن يفهم أهوال لحظة كهذه؟ هناك في العهد القديم مزمور يَذكُر لنا جانبًا من اختبار المسيح وهو في بستان جثسيماني، أعني به مزمور 102. وعنوان هذا المزمور هو: «صَلاةٌ لمسكينٍ إِذَا أَعيَا وسَكبَ شَكوَاهُ قُدَّامَ الله». وفي هذا المزمور نسمع المسيح يقول لله: «أَقولُ: يا إِلَهِي لا تقبضني فِي نصف أَيَّامي»، فيُجيبه الآب بالقول: «إلى دَهرِ الدُّهورِ سِنوكَ. من قِدَمٍ أَسَّستَ الأَرضَ، والسَّماواتُ هي عمَلُ يدَيكَ. هيَ تَبيدُ وأَنتَ تَبقى، وكلها كثوبٍ تَبلَى، كردَاءٍ تُغَيِّرهُنَّ فتتغَيَّر. وأَنتَ هوَ وسِنوكَ لن تنتهِيَ» (ع24-27؛ عب 1: 10، 12). مَن فينا يُمكنه أن يدرك كيف أن الخالق العظيم الذي يُحدِّثنا عنه مزمور 102، يُرى هنا في توسُّل ذليل لإلهه، جعله يلامس بوجهه تراب الأرض التي خلقها!

لم تكن الكأس التي أراد المسيح أن يستعفي منها هي الخوف من الموت ولا من الألم. فهناك شهداء كثيرون واجهوا الموت بثبات، ولم يرهبوا تلك اللحظة، ولم يخشوها؛ والمسيح طبعًا لم يكن أقل منهم. لكن المسيح كان يعلم أنه تعيَّن له شيء آخر، ما كان بوسع مخلوق، كائن مَن كان أن يتحمَّلَهُ، هو ثقل الخطية الرهيب الذي حمله نيابةً عنا فوق الصليب ( مز 38: 4 ). إن المسيح هو ذلك القدوس الذي بلا شر ولا دنس، لكنه كان سيصبح بعد قليل خطيةً لأجلنا ( 2كو 5: 21 )، ويقف كمُمثل للخطاة، ويحمل إثم جميعنا ( 1بط 2: 24 ؛ إش53: 11). إنه ابن محبة الآب، الذي في شركة وعلاقة غير منقطعة مع أبيه من الأزل وإلى الأبد، لكن ها اللحظة تدنو حيث كان سيُترك، لا من الجميع فحسب، بل أيضًا من الله. والمسيح الذي في حياته انفصل عن الأشرار، بسبب ما هو في ذاته: قدوس الله، كان مزمعًا – على الصليب - أن يُترَك من الله، لأنه قَبِلَ بالنعمة أن يصير حامل الخطايا.

وصلاة المسيح في البستان عَرَّفتنا شيئًا عن قداسة المسيح الذاتية التي تنفر من الخطية، كما عَرَّفتنا أيضًا شيئًا عن طاعة المسيح السامية والمُطلَقة لله أبيه. وربما في كل الوحي المقدس لا نجد إعلانًا عن تكريس المسيح لأبيه أرَّق مما نجده هنا في جثسيماني.

يوسف رياض
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net