إن قصد الله هو أن يُخضع جميع ممالك الأرض لسلطان ابن الإنسان، على أن يتسلمها من يد الله، وذلك عن طريق عمل الصليب. إن الكلمات المؤثرة الواردة في يوحنا 12: 23، 24 تلائم الرب تمامًا وهو يناجي نفسه بالقول: «قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ». ولكن ما السبيل إلى تمجيده؟ هل بنجاته من تلك «السَّاعَةُ»؟ لا، فإنه لهذه الساعة جاء ليواجه الموت على الصليب، لأنه «إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ». لقد كانت هذه التجربة محاولة ماكرة يهدف الشيطان من ورائها إلى صرف الرب عن الصليب. وقد ارتكب بطرس نفس الحماقة، ولذلك يجاوبه الرب قائلاً: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي» ( مت 16: 23 ). لقد كان محور التجربة هو عرض سلطان العالم بدون الصليب، ومن يد الشيطان لا من يد الله. وإلى هنا كان الشيطان قد أطلق آخر سهم في جعبته، وافتضح أمره.
إن الإجابة على عرض كهذا يتقدم به أبو الكذَّاب، إنما هي الإجابة التي كنا نتوقعها من الإنسان الكامل، وإننا لننحني خشوعًا حين نسمعه يقول: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». ومرة أخرى يجدر بنا أن نلاحظ أن الرب يسوع لم يناشد الشيطان بالسجود لله، وإنما يقرر الدستور الذي سلك بمقتضاه في حياته كإنسان، وكما قال قبلاً: «لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ» (ع4).
ها هو الرب يسوع إذًا في بداءة خدمته قد قهر الشيطان، مُبرهنًا أنه الوحيد الذي لم توجد فيه خطية. امْتُحِنَ بمهارة شيطانية، وفي أكثر الظروف مضادة، ولكنه أقام الدليل على أن كلمات مزمور 16: 8 كانت تعنيه هو وحده دون سواه حين قال: «جَعَلْتُ الرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ. لأَنَّهُ عَنْ يَمِينِي فَلاَ أَتَزَعْزَعُ».