رغم أننا نعلم أن بشرًا لا يستطيع أن يعرف أمر ساعة واحدة مقبلة، فبالأولى أمر يوم أو شهر أو سنة، رغم هذا فإننا نرتب أمورنا كما لو كنا واثقين أننا سنبقى في الحياة لسنوات قادمة. وهذا ليس خطأ إذا كان يُعمل في خضوع وموافقة لمشيئة الله. إنه أمر طبيعي أن نتطلع إلى الأمام وأن نتدبر أمرنا لكي نُنجِز ما هو صحيح وصالح ولازم مع مرور الوقت. لكن الوحي يحذرنا في يعقوب 4 : 13-17 من عمل شيء مثل ذلك بالاستقلال عن إرادة الله. ونقرأ في أمثال 27: 1 «لاَ تَفْتَخِرْ بِالْغَدِ لأَنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مَاذَا يَلِدُهُ يَوْمٌ». وفي يعقوب 4: 13 يُقال لنا: «أَنْتُمُ الَّذِينَ لاَ تَعْرِفُونَ أَمْرَ الْغَدِ!». كل هذا بسيط ومفهوم ولا يحتاج إلى توضيح، لكن ما أكثر ما ننساه بسرعة مدهشة.
إنما حياتنا نفخة. إنها قصيرة جدًا، وهي إن طالت فلا تزيد عن بضع عشرات من السنين ثم تضمحل ولا تكون. ومع ذلك أحيانًا نتصرف كأننا مخلَّدون. وإن الله يريدنا أن نكون مُتكلين عليه يومًا بعد يوم. ومن جهة المستقبل يجب أن نستكشف مشيئته، وليس معنى هذا أن نقول «إِنْ شَاءَ الرَّبُّ»، عندما نحدد يومًا معينًا لعمل معين، بل أن نضع مشيئة الله أولاً بالفعل، بأن نتأكد أن هذا العمل أو ذاك القصد يتفق تمامًا مع فكر الله، قبل أن نُجري في شأنه أي ترتيب. فكل شيء ينبغي أن يتفق مع إرادته إذا شاء وأبقانا في الحياة. وإذا كنا نتصرف بخلاف ذلك فإننا نسلك سلوكًا استقلاليًا عن الله، الذي لا يتفق أبدًا مع أناس لا يضمنون بقاءهم على الأرض، وليس في سلطانهم أن يمدوا في حياتهم دقيقة واحدة. إن نسينا ذلك وتصرفنا بالكبرياء منتفخين ومفتخرين بما أُعطينا من صحة أو قوة أو مال أو سلطان، فإننا بذلك نخرج على طاعة الله والخضوع له، إنه شر.