نطق داود بهذا المزمور الرائع وهو في “بَرِّيَّةِ يَهُوذَا”. ومع أن المكان برية، لكنها “بَرِّيَّةِ يَهُوذَا” أي ”الحمد والتسبيح”. فما أجمل التسبيح وسط وعورة الظروف «عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ، يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعًا» ( مز 84: 6 ). في برية يهوذا نجده هو وأبطاله ليس يحتمون في ظل جناحي الرب فقط (مز57)، لكنهم يُريدون أن يختبروا مجده في حياتهم ( مز 63: 2 ).
«يَا اللهُ، إِلَهِي أَنْتَ» ... قديمًا هتف موسى: «هَذَا إِلَهِي فَأُمَجِّدُهُ» ( خر 15: 2 ). وأجاب دانيال من جب الأسود: «إِلَهِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَسَدَّ أَفْوَاهَ الأُسُود» ( دا 6: 22 ). وسَيِّدنا الكريم قال بعد قيامته: «إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى ... إِلَهِي وَإِلَهِكُمْ» ( يو 20: 17 ). وتوما قال: «رَبِّي وَإِلَهِي!». وداود هنا وسط وعورة الظروف يقول: «يَا اللهُ، إِلَهِي أَنْتَ».
وتعبير “إِلَهِي” هو تعبير فردي شخصي اختباري فموسى قالها بعد موقعة البحر الأحمر، بعد أن شاهد عظمة الرب، ودانيال قالها بعد أن اختبر عناية الرب في جب الأسود، وهنا داود ينطق بها وسط اختبارات البرية. وما أحلى أن نشعر دائمًا بهذا القرب والانتماء معه، والعلاقة الشخصية به!
والتبكير إليه ليس لنتمتع نحن به فقط، بل ليتمتع هو بنا. نحن نُبكِّر إليه، وهذا هو الغرض الأساسي في التبكير. وكم جميل أن ينام القديس وشغله الشاغل، وملء كيانه ذلك الميعاد الذي لديه في الصباح الباكر مع السَيِّد العظيم! إذا كنا على سفر في موعد مبكِّر، كم نحتاط لئلا يفوتنا الميعاد! وهكذا دائمًا، كان داود على ميعاد في الصباح الباكر مع سَيِّد الأرض كلها. وهذه مسؤولية عظيمة علينا. فميعادنا مع سيدنا في الصباح الباكر. ويا له أيضًا من امتياز عظيم! فمن اختبره كإلهه الشخصي، لا يمكن أن يحرم نفسه من بركة التمتع به. فسَيِّدنا منتظرنا في الصباح الباكر، فدعونا نُبكِّر إليه، وقلوبنا تسبق عيوننا، ونحن نستيقظ لنُبكِّر إليه. ولتكن هذه عادتنا كل صباح.