المؤمن الحقيقي، هو الذي يفهم أن لاهوت الابن “الْكَلِمَةُ” لم يُفارق الناسوت إطلاقًا. لقد كان التابوت قديمًا مصنوعًا من خشب السَّنْطِ، وهو، كما يقول العارفون، لا يقربه السوس مطلقًا، رمزًا لناسوت المسيح الذي لا يقربه فساد. وكان يُغشَّى بذهب نقي من داخل ومن خارج، رمز مجد اللاهوت. ولم يكن في الإمكان فصل الذهب عن خشب السنط. كذلك لا يمكن فصل لاهوت “الابن” عن ناسوته. ويكفينا للتدليل على ذلك القول إن “الْكَلِمَةُ” أي الابن بلاهوته «صَارَ جَسَدًا»، أي اتخذ ناسوتًا.
وفي حياته على الأرض كان نظير التابوت. فبينما نراه في السفينة نائمًا على وسادة لراحة جسده، في اتكال على الآب، إذا به، وقد أيقظه التلاميذ وقطعوا عليه راحة جسده، يأمر الريح والبحر، فيمتلئ التلاميذ خوفًا عظيمًا فقالوا: «مَنْ هُوَ هذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضًا وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!» ( مر 4: 41 ).
ولما كان على الصليب والجموع من حوله غاضبون صائحون: «اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!»، لم يفارق حضن الآب فقال: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ» ( لو 23: 21 ، 34). وفي نفس الوقت قدموا له خلاً ممزوجًا بمرارة «وَلَمَّا ذَاقَ (كإنسان) لَمْ يُرِدْ أَنْ يَشْرَبَ» ( مت 27: 34 ). ومرة أخرى عند الصليب، قال (كإنسان): «أَنَا عَطْشَانُ» ( يو 19: 28 ). وبعدما شرب «نَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ: يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي» ( لو 23: 46 ؛ يو19: 28، ).
من هذه الأمثلة القليلة نتبيَّن أن اللاهوت لم يفارق الناسوت، لأنهما معًا، هما “الْكَلِمَةُ”. ولكن لماذا «صَارَ» الْكَلِمَةُ «جَسَدًا»؟ يقول البشير: «حَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ». أَ ليس هو ذاك الذي يقول كالحكمة: «اَلرَّبُّ قَنَانِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ» (أم8)، ويقول في نفس الفصل «وَلَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ»؟ وهكذا «حَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ».