إذ تبعت رفقة العبد وجدت نفسها في برية، فلا هي في بيت لابان، كما أنها لم تكن قد وصلت بعد إلى حيث إسحاق في كنعان. ونحن إذ نتبع قيادة الروح القدس لنا نجد أننا قد تركنا العالم وخرجنا منه أدبيًا وروحيًا، لكننا لم نصل بعد إلى السماء. إننا في رحلة التغرُّب في البريَّة. وهكذا إذ سارت رفقة مسافة طويلة، 800 كيلو مترًا في الصحراء، كان يلمع أمامها طول الطريق ذلك الشخص الذي تعلق قلبها به، والذي ينتظرها وإليها اشتياقه. وهكذا نحن أيضًا عندما نصبو إلى لقاء حبيبنا المُرتقَب في المجد، فإننا نجدد قوة ونسعى نحو الغرض، كما قال بولس: «أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» ( في 3: 13 ، 14).
كان العبد يُنعش رفقة ويُجدِّد عزمها ويرفع قلبها فوق أتعاب الطريق وآلام الغربة ووحشة القفر، بالحديث عن إسحاق وجماله وصفاته وأمجاده. ومن بداية الرحلة كان يُلوِّح لها بقرب النهاية والوصول إلى إسحاق، وأن الرحلة قصيرة وأوشكت على النهاية. ما كان يصلح أن تستحسن رفقة طريقًا آخر غير الذي يقودها فيه العبد. ولا كان يصلح أن تحُطَّ رحالها في البرية لأي سبب. وهذا ما يفعله الروح القدس معنا الآن في رحلة تغربنا إذ يحدثنا عن المسيح وعن محبته وفدائه، وعن صفاته وأمجاده، وعن وعده أنه سيأتي سريعًا ليأخذنا إليه. وهذا هو الرجاء الحي المنعش لقلوبنا والذي يُهوِّن صعوبات الرحلة والمشوار «إِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَار،ُ فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ» ( رو 13: 11 ، 12)، لأننا «نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ، لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ ... سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ» ( 1تس 4: 15 –17)، «لأَنَّهُ بَعْدَ قَلِيلٍ جِدًّا (جِدًّا)، سَيَأْتِي الآتِي وَلاَ يُبْطِئُ» ( عب 10: 37 ).