في جبل المُريا نرى صورة باهتة وضعيفة للصليب. فالآب والابن الوحيد الحبيب يتقدَّمان معًا، بنية معقودة على تضحية حياة الابن. لكـن الرمز يتحطم، وبالرحمة والشفقة يتداخل الله، فلا يموت الابن الرمزي، إسحاق، ولكـن في المرموز إليه نجد أنَّ الله «لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ» ( رو 8: 32 ).
يبدو أن المشهد كان يخيِّم عليه الصمت. هذا واضحٌ من أسلوب الكلام. وبعد فترة من الصمت «كَلَّمَ إِسْحَاقُ إِبْرَاهِيمَ أَبِاهُ وَقَالَ: يَا أَبِي! فَقَالَ: هأَنَذَا يَا ابْنِي». وسأل الابن سؤالاً هو في الحقيقة سؤال أي إنسان في أي زمان، وتُردِّدهُ ألوف الألسنة من الخليقة التي تئن وتتمخض معًا: «هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟»؛ أي:
هوذا الخاطئ، فأين المُخـلِّص؟ ... هوذا الساجد، فأين وسيلة الاقتراب؟
هوذا أسباب الألم، فأين المتألم؟
«هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟»؛ كان هذا هو السؤال الذي يتردَّد عبر أربعة آلاف سنة، على لسان كل إنسان حساس الضمير، إنْ في صمت، أو في منطوق ضعيف التعبير. ولم يكن هناك سوى جواب واحد وحيد هو: «اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي» ( تك 22: 8 ). إنه جواب الإيمان أُعطيَ في يقين وفي هدوء شديدين. دون شك، ودون ريب. وفي خضوع صامت تقبَّل الإيمان أيضًا هذا الجواب.
ولقد جاء الجواب الأكمَل، والإيضاح الأوفى أخيرًا. جاء الجواب عندما اقترب ذلك التدبير من الغروب، وأخذ سمعان الطفل السماوي على ذراعيه وقال: «الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ» ( لو 2: 29 ، 30). جـاء الجواب عندما نظر المعمدان يسوع المسيح مُقبلاً إليه وقال: «هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ!» ( يو 1: 29 ، 36).